طرفيهما منخفضين عن وسطهما قليلاً لينصرف ما يقع في العين لأحد الجانبين، وجعل الحاجبين جمالاً للوجه، وسترًا للعينين وشعرهما يشبه الأهداب في الزيادة المشوهة، وجعل شعر الرأس واللحية قابلاً للزيادة والنقص، فيفعل فيهما ما يقصد به الجمال من غير تشويه.
ثم انظر إلى الفم واللسان وما في ذلك من الحكم، فجعل الشفتين سترًا للفم، كأنهما باب يغلق وقت ارتفاع الحاجة إلى فتحه، وهو ستر على اللثة والأسنان مفيد للجمال، فلولاهما لتشوهت الخلق، وهما معينان على الكلام، واللسان للنطق والتعبير عما في ضمير الإنسان، وتقليب الطعام، وإلقائه تحت الأضراس حتى يستحكم مضغه، ويسهل ابتلاعه.
ثم جعل الأسنان أعدادًا متفرقة، ولم تكن عظمًا واحدًا، فإن أصاب بعضها ثلم انتفع بالباقي، وجمع فيها بين النفع والجمال، وجعل ما كان معكوسًا زائد العب حتى تطول مدته مع الصف الذي تحته، وجعلها صلبة ليست كعظام البدن لدعاء الحاجة إليها على الدوام، وفي الأضراس كبر بلا تسريف لأجل الحاجة إلى درس الغذاء، فإن المضغ هو الهضم الأول، وجعلت الثنايا والأنياب لتقطيع الطعام وجمالاً للفم، فأحكم أصولها، وحدد دروسها، وبيض لونها مع حمرة ما حولها، متساوية الرءوس متناسبة التركيب، كأنها الدر المنظوم.
ثم انظر كيف خلق في الفم نداوة محبوسة لا تظهر إلا في وقت الحاجة إليها، فلو ظهرت وسالت قبل ذلك لكان تشويهًا للإنسان، فجعلت ليبل بها ما يمضغ من الطعام حتى يسهل تسويفه من غير عنت ولا ألم، فإذا فقد الأكل عدمت تلك النداوة الزائدة التي خلقت للترطيب، وبقي منها ما يبل اللهوات والحلق لتصوير الكلام ولئلا يجف، فإن جفافه مهلك للإنسان.