للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم انظر إلى رحمة الله ولطفه، إذ جعل للآكل لذة الأكل، فجعل الذوق في اللسان وغيره من أجزاء الفم، ليعرف بالذوق ما يوافقه ويلائمه من الملذوذ، فيجد في ذلك راحة في الطعام والشراب إذا دعت حاجة إلى تناوله، وليجتنب الشيء الذي لا يوافقه، ويعرف بذلك حد ما تصل الأشياء إليه في الحرارة والبرودة.

ثم إن الله تعالى شق السمع، وأودعه رطوبة مرة يحفظ بها السمع من ضرر الدود، ويقتل أكثر الهوام التي تلج الأذن، وحفظ الأذن بصدفة لتجمع الصوت فترده إلى صماخها، وجعل فيها زيادة حس لتحس بما يصل إليها مما يؤذيها من هوام وغيرها، وجعل تعويجات ليطرد فيها الصوت، ولتكثر حركة ما يدب فيها ويطول طريقه، فيتأثر ويتنبه صاحبها من النوم.

ثم انظر إلى إدراكه للشمومات بواسطة ولوج الهواء، وذلك سر لا يعلم حقيقته إلا الباري سبحانه، إلى غير ذلك.

ثم انظر كيف رفع الأنف في وسط الوجه، فأحسن شكله، وفتح منخريه، وجعل فيهما حاسة الشم ليستدل باستنشاقه على روائح مطاعمه ومشاربه، وليتنعم بالروائح العطرة، ويجتنب الخبائث القذرة، وليستنشق أيضًا روح الحياة غذاء لقلبه وترويحًا لحرارة باطنه.

ثم خلق الحنجرة وهيأها لخروج الأصوات، ودور اللسان في الحركات والتقطيعات، فيقطع الصوت في مجار مختلفة تختلف بها الحروف ليسع طرق النطق، وجعل الحنجرة مختلفة الأشكال في الضيق والسعة والخشونة والملاسة وصلابة الجوهر ورخاوته والطول والقصر، حتى اختلفت بسبب ذلك الأصوات، فلم يتشابه صوتان، كما خلق بين كل صورتين اختلافًا فلم تشتبه صورتان، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>