للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يظهر بين كل صورتين فرقان، حتى يميز السامع بعض الناس عن بعض بمجرد الصوت، وكذلك يظهر بين كل شخصين فرقان، وذلك لسر التعارف.

فإن الله تعالى لما خلق آدم وحواء خالف بين صورتيهما، فخلق منهما خلقًا جعله مخالفًا لخلق أبيه وأمه، ثم توالى الخلق كذلك لسر التعارف.

ثم انظر لخلق اليدين تهديان إلى جلب المقاصد ودفع المضار، وكيف عرض الكف وقسم الأصابع الخمس، وقسم الأصابع بأنامل، وجعل الأربعة في جانب والإبهام في جانب، فيدور الإبهام على الجميع، فلو اجتمع الأولون والآخرون على أن يستطيعوا بتدقيق الفكر خلقها على وجه آخر بوضع الأصابع على غير ما وضعت عليه من بُعد الإبهام عن الأربعة، وتفاوت الأربعة في الطول وترتيبها في صف واحد لم يقدروا على ذلك، وبهذا الوضع صلح بها القبض والإعطاء فإن بسطها كانت طبقًا يضع عليه ما يريد، وإن جمعها كانت آلة يضرب بها. وإن ضمها ضمًا غير تام كانت مغرفة له، وإن بسطها وضم أصابعه كانت مجرفة.

ثم خلق الأظفار على رءوسها زينة للأنامل وعمادًا لها من ورائها حتى لا تضعف، ويلتقط بها الأشياء الدقيقة التي لا تتناولها الأنامل لولاها، وليحك بها جسمه عند الحاجة إلى ذلك.

فانظر أقل الأشياء في جسمه لو عدمها وظهرت به حكة لكان أضعف الخلق وأعجزهم عن دفع ما يؤلمه، وجلب ما ينتفع به في ذلك ولم يقم له غير الظفر مقامه في حك جسده، لأنه مخلوق لذلك ولغيره، فهو لا صلب كصلابة العظام، ولا رخو كرخاوة الجلد، يطول ويحلق ويقص ويقصر لمثل ذلك.

ثم جعله يهتدي به إلى الحك في حالة نومه ويقظته ويقصد المواضع إلى جهتها من جسده، ولو احتاج إلى غيره واستعان به في حكها لم يعثر الغير

<<  <  ج: ص:  >  >>