يوم القيامة، وأثبت الكلام لهم معه، فالنفي المراد به الكلام الذي يسرهم، وكذلك النظر والإثبات واقع على الكلام الواقع بين الله وبينهم على وجه التوبيخ لهم والتقريع، فالنفي يدل على أن الله ساخط عليهم، والإثبات يوضح أحوالهم ويبين للعباد كمال عدل الله بهم إذ هو يضع العقوبة موضعها.
(٤٤) ونظير ذلك أنه في بعض الآيات أخبر أنه لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وفي بعض الآيات أنه جل وعلا يسألهم، قال تعالى:{ماذا كنتم تعبدون} وقال تعالى: {ماذا أجبتم المرسلين} [فالسؤال المنفي سؤال الاستعلام والاستفهام عن الأمور المجهولة، فإنه لا حاجة إلى سؤالهم مع كمال علم الله وإطلاعه قال تعالى:{وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق: ١٢] . والسؤال المثبت واقع على تقريرهم بأعمالهم وتوبيخهم وبيان أن الله حكم فيهم بعدله وحكمته.
(٤٥) ومن ذلك الإخبار أنه لا أنساب بين الناس يوم القيامة وفي آيات أخرى أثبت لهم ذلك فالمثبت هو الأمر الواقع والنسب الحاصل بين الناس كقوله {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ}[عبس: ٣٤ - ٣٥] . والمنفي هو الانتفاع بها فإن الكفار يدعون أن أنسابهم تنفعهم يوم القيامة فأخبر تعالى أن لا ينفع مال ولا بنون {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء: ٨٩] .
(٤٦) ومن ذلك الشفاعة فإنه أثبتها في عدة مواضع ونفاها في مواضع من القرآن وقيدها في بعض المواضع بإذن ولمن ارتضى من خلقه فتعين حمل المطلق على المقيد وأنها حيث نفيت فهي الشفاعة التي بغير إذنه ولغير من رضي الله قوله وعمله وحيث أثبتت فهي الشفاعة التي بإذنه لمن رضي الله عنه وأذن فيه.