للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنبيه آخر: قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ بعد قوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ يدل عند البعض أن (ثمّ) في الآية ليست لترتيب الحكم، بل هي للتّرتيب الذّكري، وعليه فلم تخرج (ثم) هنا عن موضوعها.

وقيل: ليست (ثمّ) في هذه الآية للترتيب، وإنّما هي لعطف جملة كلام على جملة كلام، هي منقطعة منها. قال الطبري: في الكلام تقدير وتأخير وبيّن ذلك، وذكر ابن العربي أجوبة منها: «أن معناه: ثم ذكرنا لكم أفيضوا من حيث أفاض الناس، فيرجع التعقيب ب (ثم) إلى ذكر وجود الشيء لا إلى نفس الوجود» (١). ويرجع إلى تفاصيل ذلك في كتب التفسير.

* الوقفة الثالثة: مشروعية النزول بالمزدلفة باتفاق إلّا أن الخلاف في كونه المبيت بها ركنًا أو واجبًا أو سنة، بل حكى عن بعض السّلف أنّه ليس بنسك، وإنّما هو منزلٌ إن شاء نزله، وإن شاء تركه، والأخير ضعيف جدًا، بل غلط ظاهر؛ لمخالفة الكتاب والسنة.

قال الموزعي ورجّح كونه واجبًا قال: «لموافقته القرآن، ولحديث عروة بن مضرس » (٢). وحديث عروة وفيه أنه أتى النبي بجمع -أي مزدلفة - وقال للنبي هل لي من حج؟ فقال : «من صلى هذه الصلاة معنا، ووقف هذا الموقفَ حتى يُفيضَ، وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلاً أو نهاراً، فقد تمَّ حجُّهُ، وقضى تَفَثَهُ» (٣) وتفصيل ذلك في كتب الفقه.


(١) أحكام القرآن (١/ ١٩٦).
(٢) تيسير البيان (١/ ٣٦٠).
(٣) أخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، برقم (٣٠٤٢)، وصححه الألباني.

<<  <   >  >>