للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقول ابن عربي: «ومن أسمائه الحسنى: العَليّ، على من يكون عليًّا وما ثَمَّ إلا هو؟ وعن ماذا وما هو إلا هو؟ فعُلُوُّه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمسمَّى مُحْدَثات هي العَلِيَّة لذاتها، وليست إلا هو.

إلى أن قال: قال أبو سعيد الخَرَّاز (١) ــ وهو وجهٌ من وجوه الحقِّ ولسانٌ من ألسنته ينطق عن نفسه ــ: بأن الله لا يُعْرَف إلا بجمعه بين الأضداد. ثم قال: فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره، وما ثَمَّ من يَراه غيره، وما ثَمَّ من يبطن (٢) عنه، فهو ظاهرٌ لنفسه باطن عنه، وهو المسمَّى أبو سعيد الخراز، وغير ذلك من الأسماء المحدثات» (٣).

وهذا الكلام ذكره القُشَيري (٤) وغيره عن أبي سعيد الخراز لمَّا قيل له: بمَ عرفتَ ربك؟ قال: بالجمع بين النقيضين [م ٧٥] وتلا قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: ٣].

وأراد أبو سعيد أن المخلوق لا يكون هو الأول الآخر الظاهر الباطن، بل هذا متضادٌّ في حقِّه بخلاف الخالق، ولم يرد أبو سعيد مذهب الحلول والاتحاد، فإن أبا سعيد أعلى قدرًا من ذلك، وإن كان له في الفناء كلامٌ أُنكِر


(١) هو: أحمد بن عيسى البغدادي أبو سعيد الخراز، من كبار الصوفية وأئمتهم (ت ٢٧٩). انظر «طبقات الصوفية» (ص ٢٢٨ - ٢٣٢) للسلمي، و «الحلية»: (١٠/ ٢٤٦ - ٢٤٩)، و «الرسالة»: (١/ ٩٨) للقشيري، و «السير»: (١٣/ ٤١٩).
(٢) كذا هنا وفي «الفصوص»، وفي «بغية المرتاد» (ص ٤٠٤): «ينطق».
(٣) هنا ينتهي كلام ابن عربي من «الفصوص» (ص ٤٠ - ٤١).
(٤) لم أجده في «الرسالة». وقد ذكره المصنف في «بيان تلبيس الجهمية»: (٤/ ١٠٢)، و «الفتاوى»: (١٦/ ٤٢٥).