للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخلوقات شيئًا ثالثًا كالماء واللبن، فإن هذا إنما يكون في المخلوقين اللذين مخلطهما وممزجهما (١) ثالث غيرهما، فأما الخالقُ لكل ما سواه، الغنيّ عن كل ما سواه، الذي يستحيل أن يفتقر إلى شيء غنيٍّ عنه، أو يؤثر فيه ما هو غنيّ عنه، الذي كل ما سواه فقير إليه، وكل ما يحدث فيما سواه فبقدرته ومشيئته حَدَثَ وَوُجِد.

وإذا أمر الخلق بالدعاء وأجابهم، وأمرهم بالعمل وأثابهم، فهو الذي جعلهم يدعون ويعملون، وهو الذي جعلهم يتوبون، وهو سبحانه يحبّ التوابين ويحبّ المتطهرين، ويفرح بتوبة التائبين ويرضى عن المؤمنين، فهو الذي خلق الأمور التي ترتب عليها ما ترتب، فهو الخالق للأسباب والمسببات، والفاعل للبدايات والغايات.

فإذا فرح بتوبة التائب فهو الذي جعله تائبًا، وإذا رضي عن المؤمنين فهو الذي جعلهم يفعلون ما أرضاه، فما أرضاه إلا ما خلقه، وما أفرحه إلا ما شاءه، إذ لا يكون في مُلكه شيء بدون مشيئته وقدرته وخلقه سبحانه.

وقد بُسِط الكلام في هذه الأمور في غير هذا الموضع، فإنها مواضع شريفة تتعلق بمسائل الصفات والأفعال والشرع والقدر، وقيام الأمور الاختيارية، وهل رضاه وسخطُه وفرحُه مخلوقاتٌ منفصلة عنه، كما يقوله مَن يقوله من المعتزلة ومَن وافقهم من أصحاب الأئمة [م ٨٤] الأربعة وغيرهم؟

أو ذلك يرجع إلى صفة واحدة هي الإرادة، كما يقوله مَن يقوله من


(١) أي الناتج عن اختلاطهما وامتزاجهما.