للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء يتناقضون أكثر من تناقض غيرهم؛ فإن الحس والعقل يشهد بتعدّد الموجودات، فمن أراد أن يجعل المتعددات شيئًا واحدًا فلابد أن يتناقض.

[م ٨٣] وكذلك أهل الاتحاد الخاص يتناقضون، وأن الاثنين لا يكونان واحدًا إلا إذا استحالا جميعًا فصارا شيئًا ثالثًا، كما يختلط الماء واللبن، والماء والخمر، فيصير ذلك أمرًا مختلطًا ممتزجًا ليس ماءً محضًا، ولا لبنًا محضًا.

ولهذا النصارى تارة تقول: إن اللاهوت والناسوت صارا كالماء واللبن، وهذا يقوله مَن يقوله مِن اليعاقبة (١). وتارة يقولون: صارا كالنار والحديد، كما يقوله مَن يقوله مِن الملكية (٢). وأما النسطورية (٣) فإنهم يقولون بالحلول كحلول الماء في الظرف، وهم أقل النصارى كفرًا وإلحادًا، وإن كان الجميع كفارًا ملحدين.

ومعلوم أن الرب تعالى يمتنع عليه أن تستحيلَ ذاتُه مع ذات بعض


(١) اليعاقبة أو اليعقوبية: فرقة من فرق النصارى ينسبون إلى يعقوب البرذعاني، تقول: إن المسيح هو الله والإنسان؛ اتحدا في طبيعة واحدة، انظر «الفصل في الملل والنحل»: (١/ ١١١) لابن حزم، و «الملل والنحل»: (٢/ ٢٥٣ - ٢٥٥) للشهرستاني.
(٢) الملكية أو الملكانية: فرقة من فرق النصارى نسبة إلى تأييد قول ملوك النصارى في المسيح، انظر «الفصل في الملل والنحل»: (١/ ١١٠ - ١١١)، و «الملل والنحل»: (٢/ ٢٥٢).
(٣) النسطورية: فرقة من فرق النصارى نسبة إلى نسطور أحد بطارقة القسطنطينية، وقولهم مثل الملكية إلا أنهم قالوا: إن مريم لم تلد الإله. انظر «الفصل في الملل والنحل»: (١/ ١١١)، و «الملل والنحل»: (٢/ ٢٥١ - ٢٥٣).