على الله شيء، بل ما يعطي عباده من الرزق والثواب على الطاعة تفضُّلٌ منه، وقوله تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام: ٥٤] معناه: ألزم على نفسه تفضُّلًا ولطفًا أنه لا يُضيع أجر المحسنين، ويقبلُ طاعة المطيعين، ويقبل توبةَ العاصين، وكلُّ إنعامٍ وفضلٍ منه على عباده تفضُّلٌ ورحمةٌ منه عليهم، فإن الكريم إذا كان عادتُهُ الإنعامَ والفضل على مَن ليس يخدمه، فإذا خدمه أحدٌ يرى جزاءَ عمله كالواجب عليه.
فإذا علمت هذا فاعلم أن معنى "حق العباد على الله تعالى أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا": بشرط الإتيان بأوامره والانتهاءِ عن مناهيه، فإنَّ كل ذلك من عبادته، ولا ينبغي أن يعتقد أحد أن مَن قال: لا إله إلا الله، ولم يتخذ إلهًا سواه، فقد وجبت له الجنة وخرج عن أن يستحق العذاب، فإن هذا الاعتقاد ناقضٌ لكثيرٍ من آيات القرآن وللأحاديث الواردة في تهديد الظالمين والعصاة، ويتضمَّن هذا الاعتقاد إراقةَ دماءِ المسلمين وإذهابَ أموالهم، ومدَّ الأيدي على النساء الأجنبيات، والشتم والغيبة والبهتان في حق المسلمين، ولأنه إذا اعتقد أنه نجا من العذاب بقول: لا إله إلا الله، فلا يخاف ولا يحترز عن هذه الأشياء، ولا يدل هذا الحديث على هذا؛ لأنه قال عليه السلام:(فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا).
قوله عليه السلام:(وحق العباد على الله أن لا يعذِّب مَن لا يشرك به) تقديره: أن لا يعذَّب مَن يعبده ولا يشركُ به، فقد قيَّد ترك العذاب بالعبادة.
والعبادة: الإتيانُ بالأوامر والانتهاءُ عن المناهي (١).
"فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر به الناس قال: لا فيتكلوا"، (التبشير): إيصالُ خبرٍ وحديث إلى أحدٍ يظهر أثرٌ من ذلك الخبر على بشرته، وقد يكون