بعد العذاب - حتى بيَّن له رسول الله عليه السلام بقوله:"وإن زنى وإن سرق".
وتكرار أبي ذر لفظةَ:(وإن زنا وإن سرق؟) ليس عنادًا وإنكارًا منه قولَ رسول الله عليه السلام، بل ظنَّ أنه لو كرر لأجابه رسول الله عليه السلام بجوابٍ آخر فيجد فائدةً أخرى، فلمَّا كرَّر ثلاثَ مرات فلم يتغير جوابُ النبي عليه السلام، سكت واستسلم.
وقوله عليه السلام:"وإن رغِم أنف أبي ذر"، (رَغِم) بكسر الغين في الماضي وفتحِها في الغابر (رَغْمًا ورُغْمًا): إذا وصل الأنفُ إلى التراب، وهو عبارةٌ عن الإذلال، يقال: فعلتُ هذا على رغمِ فلان؛ أي: على خلاف مراده، ولأجل مَذلَّته، والمراد ها هنا: وإن كره أبو ذرٍّ ذلك؛ يعني: أتبخل يا أبا ذر برحمة الله تعالى؟ فرحمةُ الله واسعةٌ على خلقه وإن كرهْتَ يا أبا ذر، فقد قال الله تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} الآية [الزمر: ٥٣].
ففرح أبو ذر بهذا، وعدَّ قول النبي عليه السلام له:(وإن رغِم أنف أبي ذر) شرفًا وكرامةً، فكان إذا حدَّث بهذا الحديث قال تفاخرًا:(وإن رغم أنف أبي ذر).
واسم أبي ذر: جُنْدُب بن السَّكَن، وقيل: جندب بن جُنَادةَ الغفاري.
* * *
٢٦ - وعن عُبادة بن الصَّامت - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"من شهدَ أنْ لا إله إلَاّ الله وحدهُ لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه، وأنَّ عيسى عبدُ الله ورسولُه وابن أمَتِه وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، والجنةَ حقٌّ، والنارَ حقٌّ = أدخلَهُ الله الجنةَ على ما كانَ منَ العمل".
قوله:"وأن عيسى عبد الله ورسوله": احترازٌ عمَّا قالت النصارى: إن عيسى