شرطُ صيرورته أخاكُنَّ أن تكونَ الرَّضاعةُ من المَجَاعة؛ يعني: يجب أن يكونَ الرَّضاعُ في وقتٍ يُشبعُ الرَّضاعُ الولدَ، وذلك يكون في الصِّغر؛ فإنَّ الصغيرَ تكون معدتُه ضعيفةً ضيقةً يَكفيه اللَّبن ويُشبعُه اللَّبن، ولا يحتاج إلى طعامٍ آخرَ، فيَنبتُ لحمُه بذلك اللَّبن ويَقوى، ويَعظمُ عظمُه ويَصير كجزءٍ من المُرضعة، فيكون ولدُها كسائر أولادها الذين وَلدَتْهم، وإذا كَبرَ الولدُ لم يَكفِه اللَّبن، ولم يُشبعْه، بل يحتاج إلى طعامٍ آخرَ، وإذا لم يَكفِه اللَّبن لم يصير ولدَ المُرضعة؛ لأنه لم يَقوَ، ولم يَعظمْ عظمُه، ولم يَنبتْ لحمُه بمجرد لبنها.
واختُلف في حدِّ مدةٍ يصير الرَّضاعُ فيها مُحرَّمًا؛ فمذهبُ الشافعيِّ وأحمدَ: أنَّ غايتَها سنتانِ، ومذهبُ مالكٍ: سنتانِ وبعدَها إلى مدةٍ قريبةٍ، ومذهبُ أبي حنيفةَ: ثلاثون شهرًا، وعندَ بعض العلماء: ثلاثُ سنين.
* * *
٢٣٥٥/ م - وعن عُقبةَ بن الحارث: أنه تزوَّجَ ابنةً لأبي إهابِ بن عَزيزٍ، فأتَت امرأةٌ فقالت: قد أرضعتُ عُقبةَ والتي تَزَوَّجَ بها، فقالَ لها عقبةُ: ما أعلمُ أنكِ أرضعْتِني ولا أخبرتِني! فأرسلَ إلى آلِ أبي إهابٍ فسأَلَهم، فقالوا: ما علمْنا أرضعَتْ صاحبتَنا! فركبَ إلى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينةِ فسألَهُ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيفَ وقد قيلَ؟ " ففارقَها ونكحَتْ زَوجًا غيرَهُ.
"عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج بنتًا لأبي إهابِ بن عَزيز ... " إلى آخره، فالمُشكِل في هذا الحديث: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال:(كيف وقد قيل؟!) أي: كيف يجوز لك إمساكُها في نكاحِك وقد قيل: إنك أخوها من الرَّضاع؟! يعني: فارِقْها.
وهذا الحُكمُ منه - صلى الله عليه وسلم - للوَرَع، وإلا لا يُقبَلُ في الشرعِ قولُ المُرضعة؛ لأنَّ شهادةَ الإنسان على فعل نفسه غيرُ مقبولةٍ.