ورفعُ إشكالِه بأن يعلمَ سببَ تكلُّمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث: وهو أنَّ أهلَ الجاهلية كانت عادتُهم أنهم يُرسلون إماءَهم؛ ليَكتسبن لهم الأموالَ بالزِّنا، وكان ساداتُهنَّ يَطؤُونهن أيضًا، فلما ولدَتْ أَمَةٌ منهنَّ ولدًا، فربما يَدَّعي ذلك الولدَ الزاني وسيدُها؛ لأنهما يَطآنها جميعًا، فقضَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الولدَ للسيد؛ لأنَّ الولدَ للفِراش، والأَمَةُ فِراشُ السيد كمنكوحتِه، فإن ادَّعاه الزاني وسكت السيدُ، فلم يدَّعِه السيدُ، ولم يُنكرْه حتى مات السيدُ، فلما مات السيدُ استَلحقَ ذلك الولدَ ورثتُه، لَحقَ بهم، فإنْ قُسِمَ الميراثُ في الجاهلية بين ورثة ذلك الميتِ قبل أن يَستَلحقَ ورثتُه ذلك الولدَ؛ لم يكن لذلك الولد شيءٌ من ذلك الميراث، لأنَّ ذلك الميراثَ وقعَت قسمتُه في الجاهلية، والإسلامُ يعفو عما وقع في الجاهلية، ولا يُؤاخِذ به، فإن لم يُقسم الميراثُ قبل أن يَستَلحقَ الورثةُ ذلك الولدَ، يكون الولدُ شريكًا للورثة في الميراث.
هذا بحثُ ما إذا مات سيدُ الأَمَة، ولم يَدَّعِ الولدَ ولم يُنكرْه، فأمَّا إذا أنكرَ الولدَ، فلم يجزْ لورثته أن يَستلحقوا ذلك الولدَ بعد موته، فإن استَلحقوا، لم يَلحَقْ به.
فإذا عرفتَ هذه القاعدةَ فاعرفْ أنَّ مقصودَ هذا الحديث ما ذُكر في هذا الشرح، وبعد ذلك نشرحُ كلَّ لفظٍ فيه إشكالٌ.
قوله:"بعد أبيه الذي يُدعَى له"؛ يعني: بعد موت سيد تلك الأَمَة، والضمير في (أبيه) ضمير الولد؛ يعني: إذا كان الولدُ يَنسبُه الناسُ إلى سيد تلك الأَمَة، ولم ينكرْه أبوه حتَّى يموتَ؛ فيجوز استلحاقُ ورثته، هذا ظاهرُ الحديث، ولكن لا يُشترَط أن يَنسبَ الناسُ ذلك الولدَ إلى سيد الأَمَة، بل إذا لم يُنكر السيد ذلك، صحَّ استلحاقُ ورثته بعد موته، سواءٌ نسبَ الناسُ ذلك الولدَ إلى سيد الأَمَة، أو إلى الزاني، أو سكتوا عن نسبته؛ وإنما يصحُّ الاستلحاقُ إذا كانت الأَمَة ملكًا لسيدها الواطئ يومَ الوطء.