قوله:"رضَّ رأسَ جارية بين حَجرَين"، (الرَّضَّ): الكسر والدَّقَّ، (الجارية مِن النساء): مَن لم تبلغ الحُلم.
قوله:"فأوْمَتْ"؛ أي: أشارت، وهذا اللفظُ مهموزٌ، أصله: أَومَأَتْ، فلُين، ثم حذف الهمزة، فصار: أَومَتْ.
قال الخطَّابي رحمه الله: وفيه دليلٌ على وجوب قتل الرجل بالمرأة، وهو قول عوام أهل العلم إلا الحسنَ البصريَّ وعطاءً؛ فإنهما زَعَمَا أنَّ الرجلَ لا يُقتَل بالمرأة.
وفيه دليلٌ على جواز اعتبار جهة القتل؛ فيُقتَصُّ من القاتل بمثل فعله، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وقال أصحاب الرأي: لا يُقتَصُّ منه إلا بالسيف؛ فحاصل الخلاف: أنَّ المُماثَلةَ في صفة القتل مَرعيةٌ عند الشافعي ومالك وأحمد في القِصاص، سواءٌ قتلَه بمُحدَّد أو غيره من تخنيق وتجويع وغير ذلك، إلا إذا قتله بالسحر، فإنه يُقتَل بالسيف؛ لأن فعل السحر مُحرَّم، وكذا إذا قتله بسقي الخمر أو اللَّواط يُقتَل أيضًا بالسيف، وعند أصحاب الرأي إذا قتلَه بغير مُحدَّد يُقتَل بالسيف مطلقًا.
وقال الخطَّابي: وفي هذا اللفظ - أعني: قوله: "فاعترف" - الشفاء والبيانُ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل اليهوديَّ بإيماء المُدَّعِي أو بقوله، بل بقول المُدَّعَى عليه واعترافِهِ، وقد شغَّب - أي: شنَّع - بعضُ الناس في هذا حين وجد أكثر الروايات خاليًا عن هذه اللفظة، فقال: كيف يجوز أن يُقتَلَ أحدٌ بقول المُدَّعِي وبكلامه، فضلاً عن إيمائه برأسه؟! وأنكروا هذا الحديث، وأبطلوا الحكم في اعتبار جهة المماثلة، وقال: وهذا اللفظ لو لم يكن مروية في هذه القصة لم يكن جائزًا؛ لأنَّ مِن العلم الشائع المستفيض - أي: المشهور - على لسان الأمة؛ خاصَّهم وعامِّهم: أنه لا يُستَحقَّ دمٌ ولا مالٌ إلا ببينة، وقد يُروَى كثيرٌ من الحديث على