ابن حنبل وإسحاق، وقال الشَّعْبي والنَّخَعي: يُقتَل المسلمُ بالذَّمَّيَّ، وإليه ذهب أصحاب الرأي، وتأوَّلوا قوله:"لا يُقتَل مؤمنٌ بكافرٍ"؛ أي: بكافرٍ حربيًّ، دونَ مَن له عهدٌ وذِمَّةٌ من الكفار، وادَّعوا في نظم الكلام تقديمًا وتأخيرًا، كأنه قال: لا يُقتَل مؤمنٌ ولا ذو عهد في عهده بكافر، قالوا: ولولا أنَّ المرادَ به هذا لَكان الكلامُ خاليًا عن الفائدة؛ لأنه معلوم بالإجماع: أنَّ المُعاهدَ لا يُقتَل في عهده، ولم يجرِ حملُ الخبر (١) الخاص على شيء قد استُفيد معرفتُه من جهة العلم العام المُستفيض.
قال في "شرح السُّنَّة": قوله: "لا يُقتَل مؤمن بكافر" كلامٌ تامٌّ مستقلٌّ بنفسه؛ فلا وجهَ لضمَّه إلى ما بعدَه وإبطالِ حُكم ظاهرِه، وقد رَوينا عن (صحيفة عليًّ): "أن لا يقتل مؤمن بكافر" من غير ذكر ذي العهد، فهو عامٌّ في حقِّ جميع الكفار أن لا يُقتَلَ به مؤمنٌ، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَرثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ"، وكان الذَّمَّيُّ والمُستأمَنُ والحربيُّ فيه سواءً.
وقال أيضًا في "شرح السُّنَّة": قوله: "ولا ذو عهد" وأراد به أنَّ ذا العهد لا يجوز قتلُه ابتداءً ما دام في العهد، وفي ذكر المُعاهَد أنه لا يُقتَل ابتداءً فائدةٌ: وهو أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما أسقطَ القَوَدَ عن المسلم إذا قتل الكافرَ أوجبَ ذلك توهينَ حُرمة دماء الكفار، فلم يُؤمَن من وقوع شبهة لبعض السامعين في حُرمة دمائهم، وإقدام المُسرِع من المسلمين إلى قتلهم، فأعادَ القولَ في حظر دمائهم دفعًا للشبهة، وقطعًا لتأويل المُتأوَّل.