فقطعَ أيديَهم وأرجُلَهم، وسَمَلَ أعينَهم، ثُمَّ لم يَحْسِمْهم حتى ماتوا. ويروى:"فسَمِّروا أعينَهم". ويروى: فَأَمَرَ بمساميرَ فأُحمِيَتْ فَكَحَّلَهم بها، وطرَحهم بالحرَّة يَستسقونَ فما يُسْقَونَ حتَّى ماتوا.
قوله:"قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - نفر من عُكْل فأسلموا فاجتَووا المدينة": (النفر) من الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وقيل: كانوا ثمانية.
قال في "الصحاح": (عُكْل) قبيلة وبلد أيضًا، يقال:(اجتوى البلد)؛ أي: كره المقام به وإن كان في نعمة؛ يعني: أسلم هؤلاء النفر، فما وافقهم ماء المدينة وهواءها، فمرضوا وكرهوا الإقامة بها.
قوله:"فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها": فيه دليل لأحمد فإنه يقول بطهارة بول ما يؤكل لحمه، والأئمة الباقية يحملون الحديث على التداوي ويستدلون به في التداوي بالنجاسة عند الحاجة.
قوله:"وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل"، (الرُّعاة): جمع الراعي، (استاق وساق) بمعنى واحد.
يعني: هؤلاء الثمانية إذا شربوا أبوال الإبل وألبانها صَحَّتْ أبدانهم، ثم قتلوا رعاة الإبل مرتدين، وساقوا الإبل سارقين إلى ديارهم كفرانًا لأنعمه تعالى.
قوله:"وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا"، و (سمل العين): فقؤها، يقال: سُمِلَتْ عينُه تُسْمَلُ: إذا فُقِئَتْ بحديدةٍ مُحمَّاة، ذكره في "الصحاح".
قوله:"فسَمَرُوا أعينهم"، (سَمَرَ): إذا كحل بمسامير محماة.
قال ابن الأعرابي:"الحَرَّة" حجارةٌ سُودٌ بين جبلين، وإنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثلتهم لأنهم قطعوا أيدي الرعاة وأرجلهم، وفقأوا أعينهم، ففعل بهم ما فعلوا