٢٦٧٢ - عن جرِير بن عبدِ الله قال: بعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَرِيةً إلى خثعم، فاعتصمَ ناسٌ منهم بالسُّجودِ، فأسرعَ فيهم القتلُ، فبلغَ ذلكَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأمرَ لهم بنصفِ العَقْلِ وقال:"أنا بريءٌ مِن كلِّ مسلمٍ مُقيمٍ بينَ أَظْهُرِ المشركينَ"، قالوا: يا رسولَ الله! لِمَ؟ قال:"لا تَتَراءى ناراهُما".
قوله:"بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى خَثْعَمَ، فاعتصم ناس منهم بالسجودِ، فأسرع فيهم القتل"، (بعث): أرسل، (السَّرية): قطعة من الجيش، (خَثْعَم): قبيلة.
(اعتصم)؛ أي: تمسك وأخذ.
يعني: جماعة من تلك القبيلة إذا رأوا الجيش شرعوا في السجود، فالجيش قتلوهم ولم يبالوا بسجودهم ظانين أنهم يستعيذون من القتل بالسجود، فإذا بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم على القاتلين نصف ديتهم، وإنما لم يلزم عليهم الدية الكاملة؛ لأنهم قتلوا بجناية أنفسهم وجناية غيرهم بسبب أنهم أقاموا مسلمين في دار الحرب.
قال في "شرح السنة": المسلم المضمون الدم لم يسقط ضمان دمه بالمقام فيما بين الكفار أصلاً، فلا يجوز أن ينتقض به الضمان.
ألا ترى أن القاتل إذا عرف مسلمًا مقيمًا فيما بينهم فقتله من غير ضرورة، يجب عليه القصاص أو كمال الدية، ولا تجعل إقامته فيما بينهم مشاركة لقاتله في قتله، فتحتمل - والله أعلم - أن تكون الدية غير واجبة بقتلهم؛ لأن مجرد الاعتصام بالسجود لا يكون إسلامًا، فإنهم يستعملونه على سبيل التواضع والانقياد، فلا يحرم به قتل الكافر، فهؤلاء لم يحرم قتلهم بمجرد سجودهم، إنما سبيل المسلمين في حقهم التثبت والتوقف، فإن ظهر أنهم كانوا قد أسلموا ثم اعتصموا بالسجود فقد قتلوا مسلمًا مقيمًا بين أظهر الكفار ولم يعرفوا إسلامه، فلا دية عليهم غير أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر لهم بنصف الدية استطابة لأنفس أهلهم،