يقول لكم: أنفقوا أموالكم أُعطكم أضعافَ ما تنفقون في الدنيا، وأُعطكم بالآخرة كلَّ حسنةٍ بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعفٍ، " {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} "؛ أي: كثير الفضل والرحمة عليكم في الدنيا والآخرة " {عَلِيمٌ} ": بما تنفقون وتعملون من الخير، فلا يُضيع أعمالكم.
واعلم أن في بعض النسخ "فاتِّعاد بالشر" بالتاء، وكذلك "فاتِّعاد بالخير" وهو افتعالٌ من (وَعَد)، والاتِّعاد يُستعمل في الشر، يقال: اتَّعد القوم؛ أي: وعد بعضهم بعضًا شرًا، والتواعُدُ يستعمل في الخير، يقال: تَواعَدَ القوم: إذا وعد بعضُهم بعضًا خيرًا، (اتَّعد) أيضًا إذا قبل الوعد.
فمَن قرأ:(فإتِّعاد بالشر) في هذا الحديث: أو (فاتِّعاد بالخير)، فقد قرأ: شيئًا لم يكن مرويًا، ولم يكن له معنًى في هذا الموضع؛ لأن (اتَّعد) يكون من اثنين فصاعدًا، لا يقال: اتَّعد زيدٌ عَمْرًا، بل يقال: اتَّعد القومُ، أو: اتَّعد الرجلان؛ أي: وعد بعضهم بعضًا شرًا، وهنا ليس بين اثنين، بل إنما يكَون وعد الشيطان الرجلَ، وليس وعدُ الرجلِ الشيطان، وكذلك وعدُ الملكِ الرجلَ، وليس وعدُ الرجل الملك.
فقد ثبت بما قلنا أنه يتعيَّن هنا:(فإيعاد بالشر) بالياء المنقوطة من تحتها بنقطتين، وكذلك:(فإيعاد بالخير).
فإن قيل: قد قلتم: إن الإيعاد لا يكون إلا بالشر، فينبغي أن لا يكون في لمة الملك إيعادٌ لأن الإيعاد هنا ليس بشر.
قلنا: الإيعاد إذا لم يكن بعده تفسيره يكون بالشر، أما إذا كان بعده تفسيره وهو قوله:(فإيعاد بالخير)، فلا بأس بلفظ الإيعاد، بل الفصاحةُ أن يتلفظ بالإيعاد لازدواج الكلام، فقد تقدم بحثه في الحديث الرابع من هذا.
* * *
٥٦ - وعن أبي هُريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يزال الناسُ