محذوف؛ أي: مثل ذلك الزمان، وذلك الزمان هو أربعون يومًا.
قوله:"ثم يكون مُضغةً مثل ذلك"، (المُضغة): قطعة من اللحم؛ يعني: يصير بعد العَلَقة لحمًا أربعين يومًا، ويظهر في آخر هذه الأربعين فيه العَظمُ، وصورتُه وأعضاؤُه وذُكورتُه وأُنوثتُه.
قوله:"ثم يبعث الله مَلَكًا بأربع كلمات"، فيكتبها بعد أن كانت تلك الكلماتُ مكتوبةَ في اللوح، قال مجاهد: يكتبُ هذه الكلماتِ في ورقةٍ، وتُعلَّق تلك الورقةُ بعنقه بحيث لا يراه الناس؛ إحدى الكلمات: عملُه؛ يعني: يُكتب أنه يعمل الخير والشر، يعملُ يومَ كذا يعمل كذا، والكلمة الثانية: أجله؛ يعني: يُكتب أنه كم يعيش في الدنيا، والثالثة: رزقُه؛ يعني: يُكتب أنه قليلُ الرزق أو كثيرُ الرزق، وأنه يحصل له يوم كذا كذا من الرزق، والرابعة: شقاوتُه إن كان شقيًا، وسعادتُه إن كان سعيدًا، ثم بعد ذلك يُنفَخ فيه الروح.
اعلم أن الله تعالى يُحول جسم الإنسان في بطن أمه حالةً بعد حالةٍ، مع أنه قادرٌ على أن يخلقَه في لحظةٍ واحدةٍ؛ وذلك لِمَا في تحويل صورة الإنسان في البطن من الفوائد والعِبَر.
أحدها: أنه لو خلق الإنسانَ في بطن أمه في دفعةٍ واحدةٍ يشقُّ ذلك على الأم وتخاف؛ لأنها لم تكن معتادةً بذلك، فلا تعلم أن ما ظهر في بطنها ولدٌ أو عِلَّةٌ، فاقتضت حكمة الله تعالى أن يجعلَه أولًا نطفةً مدةً لتعتادَ أمُّه بذلك، ثم ينقلب عَلَقةً مدةً لتعتادَ أيضًا بالعَلَقة مدةً، وكذلك تعتاد وتأنسَ بما في بطنها ساعةً فساعةً إلى وقت الولادة.
والفائدة الثانية: إظهارُ نعمتهِ وقدرتهِ لكم لتعلموا أنه قادرٌ على كل شيء من جعل النطفةِ علقةً، والعلقةِ مُضغةً، وغير ذلك من الأحوال؛ لتشكروا نعمتَه عليكم بأن خلقَكم من نطفةٍ ثم جعلكم عَلَقةً ثم مُضغةً، ثم إنسانًا حسنَ