للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العلماء في تأويلها؛ فبعضُهم لا يُجوَّز تأويلَها أصلًا، بل يَكِلُ إلى الله تعالى علمَها؛ كيلا يقعَ في التشبيه، وبعضُهم يؤوِّلها على وجهٍ يكون فيه تعظيمُ الله تعالى ولا يكون التشبيهُ لمخلوقٍ، وبعضُهم يسكت لا يُؤوِّلها، ولكن لا يُنكر [على] مَن أوَّلها على وجهٍ لا يكون فيه تشبيه بمخلوقٍ، ويقول بعضهم: هذه الصفات قسمان:

أحدهما: يَسُوغُ فيه المجاز، يَعْنُونَ بالمجاز: ما يكون مَثَلًا في الناس في سرعة الأمر، كقلبِ شيءٍ باليد أو الأصبع؛ فإن هذا عبارةٌ عن سرعة الأمر وكمال القدرة، يقال: فلان يقلب أمورَ المُلك بأصبعٍ أو بأصبعَين؛ أي: هو قادرٌ على ذلك، وذلك يسيرٌ عنده، فما كان من هذا القِسم يجوز أن يُؤوَّلَ في حق الله تعالى؛ لأنه لا تشبيهَ فيه للخالق بالمخلوق بما يكون فيه نقصٌ للخالق.

والقسم الثاني: ما لا يَسُوغُ فيه المجاز، كالنفس والمجيء، نحو قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: ١١٦] {وَجَاءَ رَبُّكَ} وما أشبه ذلك؛ فإن هذا وأشباهَه يتعذَّر تأويلُه على وجهٍ ظاهرٍ لا يشبه المخلوقَ إلا بعد تكلُّفٍ وتعسُّفٍ في التأويل، فما كان من هذا القِسم لا يجوز تأويلُه؛ بل نؤمن بكونه حقًا، ونَكِلُ تأويلَه إلى الله تعالى، وهو قول الطائفة الأخيرة، وهو المختار عند أكثر المتأخرين والمتقدمين.

فإذا عرفتَ هذه القاعدةَ فاعلم أن المرادَ بقوله: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن): أن تقليبَ القلوبِ في قدرته يسيرٌ, وهو قادرٌ على أن يُقلِّبَ القلوبَ من حالٍ إلى حالٍ من الإيمان والكفر، والطاعة والعصيان، والغلظ واللِّين، وغير ذلك.

قوله: "كقلبٍ واحدٍ"؛ يعني: كما أن أحدَكم يَقدِرُ على شيءٍ واحدٍ، هو الله تعالى يقدر على جميع الأشياء في دفعةٍ واحدةٍ، ولا يشغله شأنٌ عن شأنٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>