للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأن حُكمَ الله تعالى لا يتغيَّر، وكذلك بحث قوله: "ثم قال للذي في شماله ... " إلى آخره.

قوله "ثم قالَ بيده فنَبَذَهما"؛ معنى (قال بيده): أشار بيده، يقال: قالَ فلانٌ برأسه: أشار برأسه؛ يعني: فلمَّا فَرَغَ رسولُ الله عليه السلام عما قالَ أشارَ بيده ونبذَهما خلفَ ظهره، والغرضُ من الإشارةِ بيدِه خلفَ ظهره ونبذِ الكتابَين: تنبيهُ الحاضرين على أن الله تعالى قدَّر ما قدَّر، فجعلَ عبادَه فريقَين؛ فريقًا للجنة، وفريقًا للنار، فلا يتغير تقديرُه أبدًا.

فإن قيل: قد قلتُم: إن حكمَ الله تعالى لا يتغير، فما تقولون في قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩]؟

قلنا: اختلف في هذا أقوالُ العلماء؛ قيل: المرادُ من قوله: {يَمْحُو اللَّهُ} المنسوخُ من الأحكام، ومن قوله: {وَيُثْبِتُ} الناسخُ، وقيل: يمحو السيئاتِ من التائب، ويُثبت مكانَها الحسناتِ، وقيل: يمحو من كتاب الحَفَظَة ما كتبوه من المباحات مما لا يتعلق به عقابٌ ولا ثوابٌ، ويثبت ما هو متعلق به الثواب والعقاب؛ أي: يتركه مكتوبًا في كتابهم ولا يمحوه، وقيل: يمحو مَن قد جاء أَجَلُه، ويثبت مَن لم يأتِ أَجَلُه، وقيل: يغفر ذنوبَ مَن يشاء ويترك ذنوبَ مَن لم يُغفَر له، وقيل: يمحو الله الدنيا ويثبتُ الآخرةَ، وقد قيل غير هذه الأقوالِ أقوالٌ كثيرةٌ، وهذه الأقوالُ على المختار؛ لأنه ليس فيها تغييرُ حكمِ الله تعالى وتقديرِه في الأزل؛ لأنه قَدَّرَ في الأزل كلَّ شيءٍ على حسب ما يقع ويحصل، ولكن لم يطلَّع أحدٌ على ما قُدِّرَ في الأزل، ولأجل أن الناسَ لم يعلموا ما هو المقدَّر في الأزل وكيفيتَه تحيَّروا في كيفية حدوث الأشياء، واختلف أحوالهم في معاني هذه الآيات والأحاديث التي تتعلق بالقَدَر، والصواب من الأقوال: ما لم يكن فيها الحُكمُ والقولُ بتغييرِ تقديرِ الله تعالى.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>