لأن حفظَ الأمانة أثرُ كَمَال الإيمان، فإذا نقصَ الإيمان نقصَتِ الأمانة، فيقال:"إن في بني فلان رجلًا أمينًا"؛ يعني: لا يبقى مَنْ يحفظ الأمانة إلا قليلًا حتى يكون في كل ناحية واحد، ويُقال:"ما أعقله"، (ما) في هذه الكلمات الثلاث: (ما) التعجب؛ يعني: يمدحُ أهلُ ذلك الزمان الرجال بكثرة العقل والظرافة والجلادة، ولا يمدحونهم بكثرة الصَّلاح، والواو في:"وما في قلبه" واو الحال، و (ما) للنفي.
* * *
٤١٤٤ - وعن حُذَيْفةَ قال: كانَ النَّاسُ يَسألونَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أسألُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخافةَ أنْ يُدرِكَني، فقُلْتُ: يا رسولَ الله! إنَّا كُنَّا في جاهِليَّةٍ وشرٍّ، فجاءَنا الله بهذا الخَيْرِ، فهلْ بعدَ هذا الخيرِ مِنْ شرٍّ؟ قال:"نعمْ"، قلتُ: وهلْ بعدَ ذلكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قال:"نعمْ، وفيهِ دَخَنٌ". قلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قال:"قومٌ يَسْتنُّونَ بغيرِ سُنَّتي، ويَهدونَ بغيرِ هَدْيي، تَعرِفُ منهمْ وتُنكِرُ". قلت: فهلْ بعدَ ذلكَ الخَيرِ منْ شرٍّ؟ قال:"نعمْ، دُعاةٌ على أبوابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أجابَهُمْ إليها قَذَفوهُ فيها". قلتُ: يا رسولَ الله! صِفْهُمْ لنا. قال:"هُمْ مِنَ جِلْدَتِنا، ويتكلَّمونَ بألسِنَتِنا". قلتُ: فما تأْمُرُني إنْ أدركَني ذلكَ؟ قال:"تَلزَمُ جَماعَةَ المُسْلِمينَ وإمامَهُمْ". قلتُ: فإنْ لَمْ يكُنْ لَهُمْ جَماعَةٌ ولا إمامٌ؟ قال:"فاعتَزِلْ تلكَ الفِرَقَ كلَّها، ولوْ أنْ تَعَضَّ بأصْلِ شَجَرَةٍ حتَّى يُدرِكَكَ المَوْتُ وأنتَ على ذلكَ".
وفي رِوايةٍ:"تكونُ بعدِي أئِمَّةٌ لا يَهتَدونَ بهُدايَ ولا يَستنُّونَ بسُنَّتي، وسيقومُ فيهِمْ رِجالٌ قُلُوبُهُمْ كقلوبِ الشَّياطينِ في جُثمانِ إنسٍ". قالَ حُذَيْفةُ، قلتُ: كيفَ أَصْنَعُ يا رسولَ الله إنْ أدركْتُ ذلكَ؟ قال:"تَسْمَعُ وتُطيعُ الأميرَ، وإن ضُرِبَ ظَهْرُكَ وأُخِذَ مالُكَ".