٤١٥٨ - عن أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قالَ: كنتُ رَديفًا خَلْفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا على حِمارٍ، فلمَّا جاوَزْنا بُيوتَ المَدينةِ قال:"كيفَ بكَ يا أبا ذَرٍّ إذا كَانَ في المدينةِ جُوْعٌ تقومُ عنْ فِراشِكَ فلا تبلُغُ مَسْجِدَكَ حتَى يُجْهِدَكَ الجُوعُ؟ " قالَ: قلتُ: الله ورسولُهُ أعلمُ، قالَ:"تعفَّفْ يا أبا ذرٍّ"، ثمَّ قالَ:"كيفَ بكَ يا أبا ذرٍّ إذا كانَ بالمَدينةِ مَوْتٌ يبلُغُ البَيْتُ العبدَ حتَّى أنَّه يُباعُ القَبْرُ بالعبدِ؟ " قالَ: قلتُ: الله ورسولُهُ أعلمُ، قال:"تصَبَّرْ يا أبا ذرٍّ"، قالَ:"كيفَ بكَ يا أبا ذرٍّ إذا كانَ بالمَدينةِ قَتْلٌ تَغْمُرُ الدِّماءُ أَحْجارَ الزَّيْتِ؟ " قال: قلتُ: الله ورسولُهُ أعلمُ، قال:"تأْتي مَنْ أنتَ منهُ" قالَ: قلتُ: وألبَسُ السِّلاحَ؟ قال:"شارَكْتَ القَوْمَ إذًا" قُلتُ: فكيفَ أَصْنَعُ يا رسولَ الله؟ قال:"إنْ خَشِيْتَ أنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فأَلْقِ ناحِيَةَ ثوبكَ عَلَى وَجْهِكَ لِيَبُوءَ بإثْمِكَ وإِثْمِهِ".
قوله:"يُجْهِدكَ الجُوعُ"، (الجَهْد): الإيذاء؛ يعني: يظهر قحطٌ، وتزول قوتُكَ، بحيث لا تقدر أن تمشيَ من البيت إلى المسجد من غاية الجوع.
"تعفَّفْ"؛ يعني: لازم العِفَّةَ، وهي الصلاح؛ يعني: اصبر على الجوع، ولا تأكل حرامًا ولا شبهة.
"يبلُغُ البيتُ العَبدَ"؛ يعني: يُباع بيتٌ بعبدٍ؛ يعني: يكونُ البيت رخيصًا من غاية قِلَّةِ الناس بالموت، ويحتمل أن يريد بالبيت هنا: القبر، فيكون ما بعده تفسيرًا له؛ يعني: لا يحفر الحفار قبرًا حتى يأخذَ عبدًا بالأجرة، أو لا يجد أحدٌ موضعَ قبرٍ إلا بعبد يعطيه في ثمن موضع قبر من كثرة الموتى.
"تَصَبَّرْ"؛ أي: اصبر؛ يعني: اصبر بالبلاء ولا تجزع، تُصِبِ الأَجْرَ.
"تَغمُرُ الدِّماء أحجارَ الزَّيتِ"، (الغَمْرُ): الستر. (أحجارَ الزَّيتِ): اسم موضع بالمدينة؛ يعني: تكثرُ دماء القتلى حتى تغمرَ الدماء أحجار الزَّيت. "تأتي مَنْ أنت منه"؛ يعني: خيرك في أن تأتي مَنْ كان على الحق.