يعني: من أجل أن تقديرَ الإيمان والكفر والطاعة والعصيان قد جرى في الأزل.
أقول: لا يتغير تقدير الله تعالى؛ فمَن كان في الأزل قدَّر له الإيمانَ يكون مؤمنًا، ومَن قدَّر له الكفرَ يكون كافرًا، و (جفاف القلم): عبارة عن عدم تغير ما جرى تقديره في الأزل.
* * *
٨٠ - قال أنس - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثرُ أنْ يقول:"يا مُقلِّبَ القُلوبِ! ثَبِّتْ قلبي على دينِكَ"، فقلتُ: يا نبيَّ الله! آمنَّا بِكَ، وبما جئتَ بهِ، فهلْ تخاف علينا؟ قال:"نعمْ، إنَّ القُلوبَ بين أَصْبُعَيْنِ مِنْ أصابعِ الله يُقَلَّبُهَا كيفَ يشاءُ".
قوله:"يا نبي الله آمنا بك ... " إلى آخره؛ يعني: يا رسولَ الله! ليس قولُك: ثبَّت قلبي على دينك لأجل نفسك؛ لأنك معصومٌ عن الخطأ والزَّلَّة، خصوصًا عن تقلُّب قلبك عن الدين، وإنما تقول هذا ومرادُك أمَّتُك؛ لتعلم أمَّتُك هذا الدعاءَ، ولا يَأمَنُوا من زوال نعمة الإيمان، "فهل تخاف علينا" من أن نَرتدَّ عن الدين بعد أن آمنَّا بك وبما جئت به من الدين؟ فقال عليه السلام:"نعم"؛ يعني: أخاف عليكم؛ فإن القلوبَ بمشيئة الله تعالى يقلبها كيف يشاء من الإيمان إلى الكفر، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الطاعة إلى العصيان، ومن العصيان إلى الطاعة؛ فلا ينبغي لأحدٍ أن يَأمَنَ زوالَ نعمة الله التي أنعمها عليه، بل ينبغي أن يخافَ ويتضرَّعَ ويسألَ إثباتَ نعمة الإيمان والإسلام والطاعة، وغير ذلك من نِعَمِ الله عليه.