قال الغزالي - رحمة الله عليه - في كتاب "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة": وليس المعنيُّ به: أنهم كفار مخلَّدون في النار، بل يدخلون النار ويعرضون عليها، ويتركون فيها بقدر ما تقتضيه ذنوبهم ومعاصيهم، والمعصومُ من المعاصي لا يكون من ألف إلا واحدًا، ولذلك قال الله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم: ٧١].
ثم (بعث النار) عبارةٌ عمن استوجب النار بذنوبه، ويجوز أن يصرفوا عن طريق جهنم بالشفاعة، كما وردت به الأخبارُ الكثيرةُ الدالةُ على سعة الرحمة، وهي أكثر من أن تُحصَى.
وأما قوله:"بعث النار": فالبعث: جماعةٌ يُبعَثون لأمرٍ إلى موضع، وفي حديث آخر: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم العيد إذا أراد أن يبعثَ بعثًا ... والمراد: المبعوثون إلى النار؛ يعني: أهل النار.
قوله:"من كَمْ كَمْ؟ ": تقديره: من أيِّ عدَّةٍ أيُّ عددٍ؟ فهو استفهام عن مقدارِ المُخرَج منه ومقدارِ المُخرَج كلاهما، وتقديره: العدد (١) المعدود المبعوث أيُّ عددٍ من أيِّ عدد؟
فالمبتدأ محذوف، وقوله:(من أي عدد) صفة للخبر، كما تقول: المبعوث عشرة من مئة.
وقيل:(من كم) جار ومجرور خبر مقدم، و (كم) الأخير مبتدأ، كأنه قال: كم المبعوثون من كم؟ أي: من كم عددٍ يخرجُ منه هؤلاء بعث النار، ويبقى الباقي؟
قوله:"فذاك يوم {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} "، (الشيب): جمع أشيب، كـ (بيض) جمع: أبيض، فأُبدِلت ضمة الفاء كسرةً؛ لتصح التاء.
يعني: يوم القيامة يصيرُ الأطفال شيبًا من أهواله وشدائده.
(١) في "م" و"ق": "الأعرابي"، وفي "ش": "الأعداد"، والصواب المثبت.