وتولَّى عنه أصحابُهُ، وإنَّه ليسمَعُ قَرْعَ نِعالِهِم= أتاهُ مَلَكانِ، فيُقعدانه، فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ - لمحمدٍ -، فأمَّا المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنَّه عَبدُ الله ورسولهُ، فيقال له: انظُرْ إلى مَقْعدِكَ مِنَ النَّارِ، قد أبدلَكَ الله بهِ مَقْعدًا من الجنَّةِ، فيراهُمَا جميعًا، وأما المُنافِقُ والكافِرُ فيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقول:
لا أَدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فيُقالُ له: لا دَرَيتَ ولا تَلَيتَ، ويُضربُ بمِطْرقةٍ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صَيْحةً يسمعُها مَنْ يليهِ غيرَ الثقلَيْنِ".
قوله: "تولَّى"؛ أي: أَدبَرَ وأَعرَضَ.
(القَرع): الدَّقُّ؛ يعني: إذا رجعَ أصحابُه عن المَقبرة وتوجَّهوا إلى أوطانهم دخلَ المَلَكانِ عليه في تلك الساعة قبل أن يمضيَ زمانٌ بعيدٌ، بل يسمع الميتُ صوتَ نعالِ أصحابه في رجوعهم على رأس قبره حين أتاه المَلَكانِ.
"يُقْعِدانه" بضم الياء وكسر العين: مضارع معروف من أَقعَدَ: إذا أَجلَسَ أحدًا عن الاضطجاع.
قوله: "ما كنت تقول" - (ما): للاستفهام - "في هذا الرجل": الذي بُعِثَ عليكم بالنبوَّة، هل كنت اعتقدتَ وأقررتَ بأنه نبي أم لا؟
قوله: "لمحمد": عطفُ بيانٍ للرجل، أو بدل منه.
قوله: "فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار فقد أَبدلَك الله ... " إلى آخره؛ يعني: لكلَّ واحدٍ من المؤمنين والكافرين مَنزلانِ؛ منزلٌ في الجنة ومنزلٌ في النار، أما المؤمنُ فيرى أولاً منزله من النار، فيقال له: هذا منزلُك لو لم تكن مؤمنًا ولم تُجِبِ المُنكَرَ والنكيرَ، فإذا كنتَ مؤمنًا وأجبتَهما فقد بدلَّ الله لك المَنزلَ من النار إلى منزلِ من الجنة، فيراهما جميعًا؛ ليزدادَ فرحُه، ويعرفَ نعمةَ الله عليه بتخليصه من النار وإعطائه الجنةَ، وأما الكافر فيقال له: هذا منزلُك