مكلَّفون بالإيمان بالغيب، والغيبُ ما لم يَرَوه من أحوال القبر والقيامة، ولو سمعوا صوتَ الميت المعذَّب في القبر لصارَ سماعُهم ذلك الصوتَ بمنزلة المعاينة، وحينئذٍ لم يكن الإيمانُ بعذاب القبر إيمانًا بالغيب، بل يكون إيمانًا بالمَرْئِيِّ والمُشاهَد، والإيمانُ بالمَرْئِيِّ ضروريٌّ، والإيمانُ الضروريُّ ليس مُوجِبًا للثواب، وكذلك الإيمانُ عند طلوع الشمس من المغرب غيرُ مقبولٍ، وكذلك إيمانُ الكفارِ في القبر والقيامة غيرُ مقبولٍ.
* * *
٩٣ - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنَّ أحدَكم إذا ماتَ عُرِضَ عليهِ مَقْعدُهُ بالغَداةِ والعَشيِّ، إنْ كان مِنْ أهلِ الجَنَّةِ فمنْ أهلِ الجنَّةِ، وإنْ كان مِنْ أهلِ النَّارِ فمنْ أهلْ النارِ، فيُقالُ: هذا مَقْعدُكَ حتى يبعثَكَ الله يومَ القيامَةِ".
قوله:"إن كان مِن أهل الجنة فمِن أهل الجنة"؛ يعني: إذا كان الميتُ من أهل الجنة فيُعرَض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة؛ حتى يفرحَ ويجدَ لذةً منه.
قوله:"فمن أهل الجنة": تقدير هذا الكلام: فيُعرَض عليه مقعدُه من مقاعد أهل الجنة، وان كان من أهل النار فيُعرَض عليه مقعدُه من مقاعد أهل النار بالغداة والعشي؛ ليزدادَ حسرتُه وحزنُه، وليصيبَه حَرُّه وسمومُه.
* * *
٩٤ - وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ يهوديةً دخلتْ عليها، فقالت: أعاذكِ الله مِنْ عذابِ القبرِ، فسأَلتْ عائشةُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ عذابِ القَبْرِ، فقال:"نعَمْ، عذابُ القبْرِ حقٌّ"، قالت عائشةُ: فما رأَيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعدُ