قولها:"أعاذَكِ الله"؛ أي: حفظَكِ الله من عذاب القبر، وإنما علمت اليهوديةُ كونَ العذاب في القبر؛ لأنها قرأتْ ذلك في التوراة، أو سمعتْ ذلك ممن قرأ في التوراة.
قوله:"فسألت عائشةُ - رضي الله عنها - رسولَ الله - عليه السلام - عن عذاب القبر"؛ يعني: لم تعلم ولم تسمع عائشةُ أن العذابَ يكون لأحدٍ في القبر، ولم تعلم أن اليهوديةَ هل هي صادقةٌ في ذلك أم لا، فسألتْ رسولَ الله عليه السلام عن قول اليهودية ذلك: هل هو حق أم لا؟ ومعنى (الحق) هنا: الصدق.
وقول عائشة رضي الله عنها:"فما رأيتُ رسولَ الله - عليه السلام - بعدُ صلَّى صلاةً إلا تعوَّذَ من عذاب القبر"، (بعدُ) بضم الدال، تقديره: بعدما سألتُه عن عذاب القبر، حُذف المضاف إليه وبني (بعد) على الضم؛ يعني: عائشة رضي الله عنها لم تسمع رسولَ الله عليه السلام تعوَّذ من عذاب القبر قبل أن سمعتْ عائشة قولَ اليهودية، وبعدما سألتْ رسولَ الله - عليه السلام - تعوَّذَ من عذاب القبر كانت تسمعُ رسولَ الله عليه السلام يتعوَّذ من عذاب القبر خلفَ كلِّ صلاةٍ؛ ليثبتَ في قلب عائشة - رضي الله عنها - وغيرها أن عذابَ القبرِ حقٌّ، وليخبرَ بعضُ الصحابة بذلك بعضًا، وليشتهرَ ذلك بين الأُمَّة، فيحتمل أن النبي - عليه السلام - لم يُوحَ إليه شيءٌ في عذاب القبر قبل أن تسألَه عائشةُ ذلك، فلأجل هذا لم يتعوَّذ من عذاب القبر قبلَ ذلك، فلمَّا سألتْه عائشةُ ذلك أَوحى الله إليه، وأُمر بالتعوُّذ جهرًا ليتعلمَ الناسُ التعوُّذَ من عذاب القبر، ويحتمل أن يكون رسولُ الله - عليه السلام - يتعوَّذ من عذاب القبر قبلَ أن تسألَه عائشة ذلك، ولكن يتعوَّذ سرًّا، وما سمعتْه عائشةُ، فلما سألتْه عائشةُ ذلك كان - عليه السلام - يتعوَّذ من عذاب القبر جهرًا؛ لإعلام الناس ذلك، وهذا الاحتمالُ أصوبُ.