قال في "شرح السنة": (يتحنَّث فيه)؛ أي: يتعبد، والتحنُّث: التعبُّد، سمي به لأنه يُلقي به الحنثَ والذنبَ عن نفسه، ومثله: التحوُّب والتحرج والتأثم؛ لإلقاء الحَوْب والحَرَج والإثم عن نفسه.
قال في "الصحاح": (الليالي): جمع ليل، وأصلها: ليالٍ، كأهلٍ وأهالٍ، فزادوا فيها الياء على غير قياس، وهي نصبٌ على الظرف.
(الذوات): جمع ذات. (نزع) إلى الشيء الفلاني (ينزع نزعًا): إذا اشتاق. (تزود يتزود): إذا أخذ الزاد؛ يعني: كان يتعبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غار حراء أيامًا قلائل قبل أن يشتد الشوق إلى أهله؛ يعني: كان لا يتبتل عن أهله بالكلية إلى خلوته، وكان معه في الخلوة زاد تلك الأيام، فإذا نفد زادُه كان يرجع إلى خديجة أم فاطمة - رضي الله عنهما - فيأخذ الزاد قَدْرَ ما يكفيه تلك الأيام.
"حتى جاءه الحق وهو في غار حراء"؛ أي: جاءه الوحي، هذا مستند أرباب السلوك في الخلوة والعزلة عن الناس.
قيل: الخلوة: أن يخلو الرجل عن غيره وعن نفسه بربه سبحانه، إذ شَغْلُ نفسك إياك أعظم جنايةً وأشدُّ نكايةً من شَغْلِ غيرك، إذ شغلُ العين قد ينقطع أحيانًا، والرجل لا ينفك من أن يسمع من نفسه حديثها، أو يُسمعها حديثه، إلا أن يشغله عن ذلك استماع كلام الله تعالى، أو مناجاته ربه.
ثم الخلوة نعمت الذريعةُ عن رضاع الطبيعة، إذ فيها تتبرأ ساحته عن طوارق الفضول وعوائق الذهول، وتنقاد له نفسه في العبادات، فمن كانت هذه صفته، فقلبه مَقَرٌّ لواردات علوم الغيب، ومَظْهَرٌ لتجليات الرب سبحانه وتعالى.
فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب العزلة والخلوة؛ لأنه كان يجمع أشتات الفكر بهما، ويقطع نفسه القدسية عن مخالطة البشر.
قال في "شرح السنة": (الغط): الضغط الشديد، ومنه: الغط في الماء،