قيل: يحتمل أنه كان يهتم بأمر الوحي اهتمامًا شديدًا، مما يطالَب به من حقوق العبودية والقيامِ بشكره تعالى، ويخاف على العصاة من أمته أن ينالهم غضب من الله سبحانه، فيأخذه الغم الذي يأخذ بالنفس، حتى يَعرفَ ذلك الوحيَ المأمورَ به فيستريح.
ويحتمل أنه كان تغيُّر وجهه وشدةُ غمه القاطعةُ للنَفس عند نزول الوحي من عظمة الله سبحانه، وعظمةِ وحيه القديم ولو كان في كسوة الحروف، فإنه لو لم يكن في كسوة الحروف لَذاب جبريل - عليه السلام - عند تجلَّيه سبحانه له بأمرٍ من أوامره إلى أنبيائه المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، فإذا تقرَّر هذا؛ فكونُه في كسوة الحروف رحمةٌ من عنده تعالى لجميع عباده.
قوله:"نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم، فلما أثلي عنه رفع رأسه"(نكس رأسه): وطأطأ وأطرق؛ يعني: نظر إلى الأرض كالمتفكر. (أثلي عنه)؛ أي: قُطع عنه الوحي، قيل:(أثلي عنه)؛ أي: أُسري عنه، وقيل: صُرف عنه، وقيل:(أتلي) بالتاء؛ أي: قرئ عليه، وعلى هذا: تلي عليه، بغير الألف.
وقيل: أتلي عليه؛ أي: كُشف عليه، فالتاء بدل من الثاء؛ أي: أثلي عليه؛ يعني: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُطْرِقُ رأسه عند نزول الوحي تعظيمًا وإجلالاً للوحي القديم، والصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يطرقون رؤوسهم موافقةً له، فإذا كشف عنه رفعوا رؤوسهم.
قال الإمام التوربشتي: أرى صوابه: (فلما تلي عليه) من التلاوة.
* * *
٤٥٦٠ - عَنِ ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لمَّا نَزلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء: ٢١٤] خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى صَعِدَ الصَّفا، فَجَعَلَ يُنادِي:"يا بني فِهْرٍ! يا بني عَدِيّ! "،