ووجه دخوله - صلى الله عليه وسلم - عليها وهي من الأجانب: أنه كان جميع نساء أمته - صلى الله عليه وسلم - كالمحارم له، من حيث إنه طينةُ وجوده طاهرةٌ مقدَّسةٌ عن الخيانة في النظر وغيرِ ذلك مما يصدر عن بني آدم، فإن مثل هذا يتولد من النفس، ونفسُ غيره - صلى الله عليه وسلم - ولو كانت منقادة لصاحبها - غير مأمونة فطرةً؛ لأن الشهوة مركَّبة مجبولة فيها، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كتب على ابن آدم حظَّه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة"؛ يعني: ركَّب فيه الشهوة، فنفسُه - صلى الله عليه وسلم - مأمونةٌ لا يصدر منها إلا الطيب؛ لكونها قدسية ملكوتية، فكانت على طبيعة قلوب الأنبياء والأولياء صلوات الله عليهم أجمعين، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير" فلكمال (١) ذاته وطهارة نفسه أن يصح منه - صلى الله عليه وسلم - ما لا يصح من غيره، كما لو ادعى ولا بينةَ له؛ لكان القول قوله بلا يمينٍ، ولو ادعى على أحد وحكم لنفسه، ثبت له ذلك المدَّعى، ولو تَزوَّجَ لصح نكاحه من غير ولي وشهود، وكيف لا وهو أزكى وأفضلُ مَن في السماء والأرض؟.
* * *
٤٥٧٦ - وقَالَ ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إنَّ ضمادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وكَانَ منْ أَزْدِ شَنُوْءَةَ، وكَانَ يَرْقي مِنْ هذِه الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهاءَ أهْلِ مَكَّةَ يقُولُونَ: إنَّ مُحمَّدًا مَجنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أنَّي رَأَيْتُ هَذا الرَّجُلَ لَعَلَّ الله يَشْفِيهِ على يَدَيَّ، قالَ: فلِقَيَهُ فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ! إنَّي أَرْقِي منْ هذا الرِّيحِ، فهلْ لكَ؟ فقالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونَستَعينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ الله فلا مُضلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله، وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عبْدُهُ ورَسُولُهُ،