أمَّا بَعْدُ"، فَقَالَ: أعِدْ عليَّ كَلِماتِكَ هؤلاءِ, فأعَادَهُنَّ عليهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مرَّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ وقَوْلَ السَّحَرَةِ وقَوْلَ الشُّعَراءِ، فما سَمِعتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ, ولَقدْ بَلَغْنَ ناَعُوْسَ البَحرِ، هَاتِ يَدَكَ أُبايعْكَ عَلَى الإِسلامِ، قَالَ: فبايَعَهُ.
قوله: "إن ضمادًا قدم مكة وكان من أزد شنوءة" الحديث.
قيل: كان ضماد صديقًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية، قال الإمام التوربشتي: ومن أصحاب الحديث مَن يقول: (صماد) أو (صمام بن ثعلبة)؛ أي: بالصاد المهملة، وليس بشيء، فإن الذي اختلف اسمه، فقيل: صمادًا، وصمام بن ثعلبة، هو السعدي الوافد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما الأزدي؛ فإنه ضماد بالضاد المعجمة لا محالة.
"قدم" فلان من سفره قدومًا: إذا رجع.
و"أزد شنوءة": قبيلة من اليمن.
"رَقَى يَرْقِي": إذا عالج الداء بشيء، يقرأ ثم ينفث فيه.
قال الحافظ أبو موسى: "الريح" كناية عن الجن ها هنا، سمَّوها أرواحًا لأنهم لا يرون، كما أن الأرواح لا ترى.
قيل: أشار بقوله: "هذه" إلى جنس العلة التي كانوا يعتقدون أنها تتولد من مسِّ الجن الذي هو نفخةٌ من نفخاتهم، فيسمونها الريح.
فلما أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ضمادٌ قال له: هل لك رغبة أن أرقيك من الداء الذي بك؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ... " إلى آخره، فأعجبه كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أعِدْ مرة أخرى، فأعادها ثلاث مرات، فقال: ما أحسن وأفصح هؤلاء الكلمات، لقد سمعتُ مقالة الكهنة والسحرة والشعراء، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات قط، ولو كنتَ منهم لكان