(الطَّرف) بالفتح: الجَانب، وبالسكون: العَيْنُ؛ يعني: هذه الدابة حينما يركبُها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَتْ تضعُ خَطوها عند غايةِ نظرِهَا ومُنتهاه، لا عند ركوب غيره من الرسل والأنبياء - صلوات الله عليهم -؛ لأنه كان لكمال ذاته لا يتجاوز نظر علمه قدم حاله، بل اعتدلَتْ أحوالُه، فكان قلبُهُ وقَالبُهُ وظَاهرُهُ وبَاطنُهُ سواء، فلهذا وصل في المِعراج بالجسم والروح إلى ما وصل غيره من الأنبياء بالروح، وكان في هذا المقام ما التفتَ ظاهُره وباطنُه إلى ما سوى الله تعالى، فوصَلَ إلى مَا وَصَلَ، وفَازَ بما فَازَ.
ثم مدَحَهُ تعالى وتقَدَّسَ، وقال:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم: ١٧]، فلو لم يكن كذلك؛ لما وَصَلَ إلى هذا المقام، بل وَصَلَ إلى بعض السماوات كوصول غيره من الأنبياء إلى بعضها بحسب مراتبهم، كما ذكر في الحديث.
قوله:"فاستفتَحَ، قيل: مَنْ هذا؟ "، (استَفْتَحَ): إذا طلب الفتح، و (مَنْ) في (مَنْ هذا؟): استفهام.
قيل: أراد بذلك: تقريرَ شدة حراسةِ السَّماء وكثرة حراسها، وأن أحدًا لا يقدر أن يمرَّ عليها، ويدخل فيها، إلا بإذن مَنْ هو مُوكَّل عليها.
قيل: الاستفتاح من جبريل؛ لأنه كان معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان منفردًا لما احتاج إليه.
قوله:"وقد أُرسِلَ إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا، فنِعْمَ المجيء جاء": (مرحبًا) نُصب على المصدر؛ أي: رحب مرحبًا.
(المَجيءُ): فاعل (نِعْمَ)، والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: نعم المَجيءُ مجيء جاء، قيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: جَاءَ فنِعْمَ المَجيءُ مجيئه.
قيل: معنى قوله: (أُرسل إليه؟)؛ أي: أُرسل إليه العروج؟ لأن بعثةَ نبينا - صلى الله عليه وسلم -