ويحتمل أنه لما علمَ أن الرسول سوف ينتهي إلى العرش، وما أرسل إليه إلا لإدراك الرؤية، حتى يحصلَ له شرفٌ لم يحصلْ لأحدٍ قبله، بكى رحمةً لنفسه، غِبطة لا حسدًا، إذ ليس المراد بقوله:"لأنَّ غلامًا جاء بعدي" حقارةَ شأنه، بل المرادُ منه: كثرةُ نعمِ الله تعالى وأفضالِهِ له في مدةٍ يسيرةٍ، فإن العربَ قد يطلقون الغُلام على الشَّاب القوي الذي لم يظهر فيه الضَّعف.
قوله:"وإذا ورقُها مثل آذانِ الفِيلَةِ"، الضمير في (ورقها) يعود إلى (سِدْرَةِ المُنتهى).
و (الفِيَلَةُ): جمع فيل، كـ: قِرَدَةٌ جمع قِرْدٍ، وباقي الحديث مفسر في (باب صفة الجنة).
قوله:"فإذا أربعةُ أنهار؛ نهرانِ باطنان، ونهرانِ ظاهران": قيل: إنما ذكر (بَاطنان)؛ لخفاء أمرهما، وفقدان المَثَل لهما في الشاهد، ولأنهما مخفيَّان عن أبصار الناظرين.
وقد جاء في حديث آخر: أنَّ أحدَهما يُقال له: الكَوثر، والثاني يقال له: نهر الرحمة.
وقيل: النهران الآخران إنما سُميا: ظاهرين؛ لأنهما يفيضان على الأرض، ويَسقيان الأشجار والزُّروع بلا تعب.
قوله:"ثم رُفع لي البيتُ المعمور": قيل: هو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة، حُرمته في السماء كَحُرمة الكعبة في الأرض، ويقال لهذا البيت: الضُّرَاح، بالضاد المعجمة المضمومة.
وشرح (إناء الخمر) و (إناء اللبن) مذكور في (باب بدء الخلق)، وقيل: ما اختار العسل؛ لأنه مشبه بالدنيا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا حلوة خضرة" فلو اختاره لما كان مناسبًا لقوله، مباينًا لفقره ومسكنته حين عُرضَتْ عليه مفاتيح كنوز