للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: ١] وغيرهما.

قيل: إنما بالغَ في الدعاء مع أنه كانَ موعودًا بالنصرة من عنده سبحانه؛ لأنه وُعِدَ بالنَّصر، ولم يعينْ له زمانَ إنجازه، فخافَ مِنْ تأخرِ إنجازه، فبالغَ في الدعاء؛ لينجزَ له الوعدَ في ذلك الوقت.

قيل: قول أبي بكر: (حسبك يا رسول الله! ألحَحْتَ) إنما كان لأنه رأى منه - صلى الله عليه وسلم - مبالغةً في الدعاء، وقد استعاذ منه - صلى الله عليه وسلم -، من الكلام القديم: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وقد فُسِّرَ هذا بالمبالغة في الدُّعاء، فخاف أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قريبًا من هذا الحال، فذَكَر مضمونَ الآية.

والأحسن أن يُقال: إنَّ مبالغةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في السؤالِ مع عِظَمِ ثقتِهِ بربه، وكمالِ علمِهِ به، تشجيعٌ للصحابة وتقويةٌ لقلوبهم؛ لأنهم كانوا يعرفون أن دعاءَه لا محالَةُ مستجابٌ، لا سيما إذا بالغَ فيه.

وقول أبي بكر - رضي الله عنه -: (حسبُكَ يا رسول الله! فقد ألححت) دليلٌ على أنه أقوى قلبًا من الصَّحابة، وأعلمُهم بالله منهم، وأعرَفُهم بإنجاِز وعدِه تعالى، لكنه ضعيفٌ بالإضافةِ إلى ما أتَىَ بهِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من المُبَالَغَةِ في الدعاء تحقيقًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينظرُ إلى توحيدِهِ، واستغنائِهِ عن الخلق، متفكرًا في مضمُون قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: ٦]، فخافَ عن الإبطاء في إنجازِ وعدِه سبحانه.

والصِّدِّيقُ كان ينظرُ إلى صورةِ الوَعْدِ، فتقوَّى بإنجازه، من حيث أنه لا خُلْفَ في وعده، فبينهما بَونٌ بعيدٌ وفَرقٌ كبيرٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينظرُ في المبالغةِ في الدعاء إلى ذاته فحسب، وهو عبارةٌ عن (الجَمْع) بلسان الصوفية، والصِّديق كان ينظر في القول المذكور إلى إنجاِز وعده، وهو من الصِّفات، وهو عبارة عن (التفرقة) بلسانهم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>