للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السحرَ إنما يعمل في أبدانهم (١)، وهم بشر، يجوزُ عليهم من العلل والأمراض ما يجوزُ على غيرهم، وليس تأثير السحر بأبدانهم بأكثر من القتل وتأثير السم وعوارض الأسقام فيهم، وقد قُتِلَ زكريا وابنه، وسُمَّ نبينا - صلوات الله عليه - بخيبرَ.

فأما أمرُ الدين فإنهم معصومون فيما بعثهم الله تعالى وأرصدهم له، وهو جلَّ ذكرُهُ حافظٌ لدينه، وحارسٌ لوحيه أن يلحقه فساد أو تبديل.

وإنما كان خُيلَ إليه أنه يفعلُ الشيء في أمر النساء خصوصًا، وهذا من جملة ما تضمَّنه قولُهُ تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: ١٠٢].

فلا ضررَ إذًا فيما لحقه من السحر على نبوته وشريعته، والحمدُ لله على ذلك، والسحرُ من عمل الشيطان، يفعلُهُ في الإنسان بنفثه ونفخه وهمزه ووسوسته، ويتولاه الساحرُ بتعليمه إياه، ومعونته عليه، فاذا تلقَّاه عنه، استعملَهُ في غيره بالقول والنفث في العقد، وللكلام تأثيرٌ في الطباع والنفوس، ولذلك صار الإنسان إذا سمع ما كره يحمى ويغضب، وربما حُمَّ منه، وقد مات قوم بكلامٍ سمعوه، وقولٍ امتعضوا منه، ولولا طولُ الكلام لذكرناهم، هذا كلامُ الخطابيِّ في كتابه، هذا كله لفظ الشيخ، قدس الله روحه.

فإن قيل: كمال النبوةِ يمنعُ من حلول اختلال السحر بجسمِ النبي؟

قيل: لا يطول ذلك، بل يزول سريعًا، فكأنه ما حلَّ.

وفائدةُ الحلول تنبيهٌ على أن هذا بشرٌ مثلكم، وعلى أن هذا السحرَ تأثيرُهُ حقٌّ؛ إذ أثَّر في أكمل إنسان، فكيف غيره؟ وصار ذلك كصدورِ ذنبٍ صغيرٍ يُنبَّهُ عليه في الحال.


(١) أي: الأنبياء عليهم السلام، ولم يتقدم لهم ذكرٌ، لكن فهم ذكرهم من السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>