فلمَّا قَضَيْنَا الصَّلاةَ دَخَلْنَا جَميعًا على رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إنَّ هذا قرأَ قِراءةً أنكرتُها عليهِ، ودخلَ آخرُ فقرأَ سِوَى قِراءةِ صاحِبهِ، فأَمَرَهُمَا النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقرآ، فحسَّنَ شَأْنَهُمَا، فَسُقِطَ في نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ ولا إذْ كُنْتُ في الجَاهِلِيَّةِ، فلمَّا رأَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ في صَدْرِي، فَفِضْتُ عَرَقًا، وكأنِّي أنْظُرُ إلى الله تعالى فَرَقًا، فقال لي:"يا أُبَيُّ! أُرْسِلَ إليَّ: أَنِ اقْرَأ القُرآنَ على حَرْفٍ، فردَدتُ إلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ على أُمَّتِي، فردَّ إليَّ الثانيَةَ: اقْرَأْهُ على حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إليهِ: أنْ هَوِّنْ على أُمَّتِي، فَرَدَّ إليَّ الثالثةَ: اقْرَأْهُ على سبعةِ أَحْرُفٍ، ولَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مسأَلَةٌ تَسْأَلُنِيها، فقلتُ: اللهمَّ اغْفِرْ لأُمَّتي، اللهمَّ اغْفِرْ لأُمَّتي، وأَخَّرْتُ الثالثةَ ليَوْمٍ يَرْغَبُ إليَّ الخَلْقُ كُلُّهُمْ حتَّى إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ".
"وقال أُبي بن كعب: كنتُ في المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءةً أنكرتُها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءةً سوى قراءة صاحبه، فلما قضَيْنا الصلاةَ دخلْنا جميعًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إن هذا قرأَ قراءةً أَنكرتُها عليه، ودخل آخرُ فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأَمرَهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقرآ، فحسَّن شأنَهما، فسُقِطَ" - على بناء المجهول - "في نفسي من التكذيب"، معناه: ندمتُ من تكذيبي وإنكاري قراءةَ ذلك الرجل ندامةً ما ندمتُ مِثلَها لا في الإسلام "ولا إذ كنتُ في الجاهلية"؛ لأن الشكَّ الذي دَاخَلَه في أمر الدِّين وردَ على مورد اليقين، وتَبِعَتُه بعدَ المعرفةِ أتمُّ وأهمُّ.
"فلما رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - " بالمعجزة "ما قد غشيَني"؛ أي: الذي اعتراني ودخلَ في خاطري من التكذيب والشك.
"ضرب في صدري بيده": يحتمل أن يكون هذا للتأديب وإخراج الوسوسة الشيطانية عن قلبه بيده المباركة، وأن يكون للتلطُّف.
"ففِضْتُ عَرَقًا"؛ أي: جرى عَرَقي من الخوف والاستحياء من حضرة الرسالة؛ لمَّا عَرَف [ما] في خاطري.