لقصدهم منه - عليه الصلاة والسلام - بيانَ المراد من الإفراد والتفريد، لا بيانَ مَن يقوم به الفعل، ولأنهم استخبروا عن معرفة هذا اللفظ عند الإطلاق، فكأنهم قالوا: وما صفةُ المفرِّدين؟ "قال: الداكرون الله كثيرًا والذاكراتُ"، والذِّكرُ الكثيرُ: هو ألا ينسى الربَّ تعالى على كل حالٍ، لا الذِّكرُ بكثرة اللغات.
والمراد: المستخلصون لعبادة الله، المشتغلون بذِكرِه، المعتزلون عن الناس؛ فهَجَرُوا الخِلَاّنَ، وتركوا الأوطانَ والأسبابَ، ورفضوا الشهواتِ واللَّذاتِ؛ إذ لا يصحُّ للعبد مقامُ التفريد إِلا بهذه الأشياء والانقطاع إلى الله.
١٦١٨ - وقال:"مَثَلُ الذي يَذكُرُ رَبَّه والذي لا يذكرُ مثَلُ الحيِّ والميتِ".
"وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَثَلُ الذي يَذكُرُ ربَّه والذي لا يَذكُرُ مَثَلُ الحيِّ والميتِ": شبَّه الذاكرَ بالحَيِّ الذي تزيَّنَ ظاهرُه بنور الحياة وبالتصرف فيما يريد، وباطنُه منوَّر بنور العلم والفهم، كذلك الذاكِرُ مزيَّنٌ ظاهُره بنور العلم والطاعة، وباطنُه بنور العلم والمعرفة، وغيرُ الذاكِرِ كالميت؛ لأنه عاطلٌ ظاهرُه، وباطلٌ باطنُه.
١٦١٩ - وقال:"يقولُ الله تعالى: أنا عندَ ظَنَّ عَبْدِي بي، وأنا معَه إذا ذَكَرَني، فإنْ ذَكَرَني في نْفسِهِ ذَكَرْتُهُ في نْفسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في ملإٍ ذَكَرْتُهُ في ملإٍ خيرٍ منهم".