"عن أبي هريرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم" وفائدة رعيهم الغنم: زيادة شفعتهم وحملهم؛ لأنهم إذا صبروا على مشقة رعيها ومقاساة جمعها مع تفرقها في المَرعى والمَشْرب، وعلموا شدة ضعفها، واحتياجها إلى النقل من مكان إلى مكان، صبروا على مخالطة عوامِّ الناس مع اختلاف أمزجتهم، وقلة عقول بعضهم، ولم يَمَلُّوا من دعوتهم إلى الدين لاعتيادهم على تحمُّل المشقة، "فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعى على قراريط" جمع قيراط "لأهل مكة"؛ أي: استأجرني أهلُ مكة على رعي الغنم كلَّ يوم بقيراط، وهو نصف دانق وهو سدس [درهم]، وذِكْرُه بلفظ الجمع يُشعر بأنه أراد قسط كل شهر، ولم يذكر كميتها لنسيانها، أو استهانة بها، قال عليه الصلاة والسلام تواضعاً لله، وتصريحاً بمنته عليه الصلاة والسلام، ومَنْ قال: القراريطُ اسمُ موضعٍ بمكة، فقد تكلَّف، كأنه استعظم أن يرعى عليه بالأجرة، ولم يعلم أن الأنبياء إنما يتنزَّهون عنها فيما يعملونه لله تعالى.
* * *
٢١٩٨ - وقال:"قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ يومَ القِيامَةِ: رجلٌ أعطَى بي ثمَّ غَدَرَ، ورجلٌ باعَ حُرًّا فأكلَ ثَمنَهُ، ورجلٌ استأجَرَ أجِيراً فاسْتوفَى منهُ ولم يُعطهِ أجرَهُ".
"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمُهم" مصدر خصمته أخصمه، ثم وُصف به للمبالغة كالعَدْل، "يوم القيامة رجل أعطى بي"؛ أي: أعطى الأمان وحلف باسمي، أو بذِكْري، أو بما شَرَعته من ديني بأن يقول للمستأجر: لك ذمة الله ولك عهده، "ثم غدر" ونقض عهده بلا جُرم من جانبه، "ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه" عملَه المستأجَر منه "ولم يعطه أجره".