والسلام فحكاه كما سمعه، ويحتمل أنه أخبر عما شاهده بنفسه وانكشف له.
* * *
١٠٦ - وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: جاءَ ثلاثةُ رهطٍ إلى أَزْواجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأَلونَ عن عِبادةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا أُخبرُوا كأنهم تَقالُّوها، فقالوا: أينَ نحنُ مِنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد غَفَرَ الله لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبهِ وما تأخَّر؟ فقال أحدُهم: أمَّا أنا فأُصلِّي الليلَ أبدًا، وقال الآخر: أنا أصومُ النهارَ ولا أُفطِر، وقال الآخر: أنا أَعتزلُ النِّساءَ فلا أَتزوَّجُ أبدًا، فجاءَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال:"أنتمُ الذين قُلْتمْ كذا وكذا؟ أما والله إنِّي لأَخشاكم للهِ وأتقاكُم له، لكنِّي أَصومُ وأُفطِرْ، وأُصلِّي وأَرقُدْ، وأتزوَّجُ النِّساءَ، فمَنْ رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي".
"وعن أنس - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: جاء ثلاثة رهط" وهي جماعة من الثلاثة إلى العشرة؛ أي: ثلاثة أنفس، قيل: هم عليٌّ وعثمان بن مظعون وعبد الله بن رواحة، وقيل: المقداد، بدل: عبد الله. - رضي الله عنهم -.
يعني: جاؤوا "إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي عليه الصلاة والسلام"؛ أي: عن قَدْر عبادته ووظائفه في كل يوم وليلة حتى يفعلوا ذلك.
"فلما أخبروا بها كأنهم تقالُّوها"؛ أي: وجدوا تلك العبادة قليلة على أنفسهم، وقد ظنوا أن وظائفه عليه الصلاة والسلام من العبادات كثيرة، وإنما قلَّلها عليه الصلاة والسلام رحمة وشفقة على أمته؛ لئلا يلحقهم ضرر ومشقة بالاقتداء فيها.
"فقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: بيننا وبينه عليه الصلاة والسلام بعدٌ بعيد، وفرقٌ عظيم؛ لأنا مذنبون محتاجون إلى مغفرته تعالى، "وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" فينبغي أن تكون العبادةُ نُصبَ أعيننا، ولا نصرف عنها وجوهنا ليلًا ونهارًا.