"عن عبد الله بن مسعودٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ"؛ لاعتقادهِم أنَّ التطيُّرَ يجلُبُ لهم نَفْعًا، أو يدَفُع عنهم ضَرَرًا إذا عَمِلُوا بموجِبه، فكأنَّهم أَشْرَكُوه مع الله في ذلك.
"الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، قاله ثلاثًا، وما مِنّا إلا"، تفاؤلٌ؛ أي: ليس منا مَن تعرَّضَ له الوَهْمُ من قِبَلِ الطِّيَرَة، وقيل: أي: ما مِنَّا مَن كان في قلبه الطِّيَرَة؛ يعني: نفوسُنا كنفوس الجاهِلِيَّة في اعتقاد الطِّيَرَة.
"ولكنَّ الله يُذْهِبُه بالتوكُّل"؛ أي: بتوكُّلنِا على الله تعالى واعتقادِنا صِدْقَ حديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
قيل قوله:(وما منا) قولُ عبدِ الله بن مسعودٍ، لا قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كذا قاله سليمانُ بن حارث.
* * *
٣٥٤٥ - وعن جابرٍ: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أخذَ بيدِ مَجذومٍ فوضعَها معَهُ في القَصْعَةِ وقال:"كُلْ ثِقَةً بالله وتَوَكُّلًا عليهِ".
"وعن جابرٍ - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم أخذَ بيد مَجْذُومٍ فوضَعها معه في القَصْعَة وقال: كُلْ ثقةً بالله وتوكُّلًا عليه"، نصبَهما على أنهما مفعولان مُطْلَقان مؤكّدان لغيرِهما، والتقديرُ: أثِقُ بالله ثقةً وأتوكَّلُ عليه توكُّلًا، والجملةُ حالية، والثقةُ الاعتمادُ، وهذا درجةُ المتوكِّلِين، فإنَّ حالَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التوكُّلِ على الله تعالى أَقْوى من حالِ الأُمَّة، فجازَ ألَّا يُخافَ عليه ما يُخافُ على غيره من العِلَل المتعدِّية، مع أن الأنبياءَ معصُومُون مِن مثل هذه الأمراضِ المنَفِّرة.