للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"وقارَبَ"؛ أي: دَنَا من المتوسط.

"فارجُوه"؛ أي: فكونوا على رجاء منه على الخير؛ فإن مَن سلك الطريقَ المتوسطَ يَقدِر على المداومة والمواظبة، وأفضلُ الأعمال عند الله أدومُها وإن قلَّ، وإنْ بالَغَ في العمل وأَتعبَ نفسَه عجزَ عن المداومة على ذلك وانقطعَ عنه، بل ربما إذا بالَغَ وأقبلَ الناسُ عليه بوجوههم اغترَّ بنفسه، وتداخلَه أنه خيرٌ من غيره، فيصير أحمقَ مُعجَبًا بنفسه متكبرًا بعمله، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "وإنْ أُشير إليه بالأصابع"؛ أي: وإن صار مشهورًا معروفًا بالعبادة "فلا تَعدُّوه"؛ أي: لا تعدوه شيئًا؛ يعني: فلا تعتقدوا فيه صلاحًا، ولا تتوقعوا فيه فلاحًا، ولا تعدُّوه من أهل الخير، وهذا في حقِّ مَن بالَغَ في العبادة للشهرة، وأما مَن خلصتْ نيتُه وصدقتْ طويتُه فبمعزلٍ عن هذا، ومِن هذا مَنِ اجتهدوا في العبادة كلَّ الاجتهاد، فرُّوا مِن الناس وسكنوا المواضع الخالية؛ حذرًا من الرياء واجتماع الناس إليهم، فلما تمَّ لهم الأمرُ سَكنوا البلادَ ودَعَوُا العبادَ إلى الله، واقتصدوا في العبادة والرياضة، ولم يغترُّوا بإقبال الناس عليهم؛ لأن قلوبَهم صارتْ مطمئنةً بالحق، مزيَّنةً بنور التجلِّي، فصارت كالبحر لا تكدِّره القاذورات؛ لصفاء خواطرهم.

* * *

٤١٠٨ - وعن أنسٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "بِحسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يُشارَ إليهِ بالأَصابعِ في دينٍ أو دُنْيا، إلَّا مَنْ عَصَمَهُ الله".

"وعن أنس - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بحسْبِ امرئ": الباء زائدة؛ أي: يكفيه.

"من الشرِّ أن يُشارَ إليه بالأصابع في دِينٍ أو دنيا"؛ لأن مَن اشتُهر في خصلةٍ من الخصال الدينية أو الدنيوية قلَّما يَسلَم من الآفات الخفية، كالعُجب والكِبْر والرِّياء والسُّمعة وغير ذلك؛ "إلا مَن عصمَه الله".

<<  <  ج: ص:  >  >>