"وإني خلقتُ عبادي حنفاءَ كلَّهم"؛ أي مستعدين لقَبول الحق والميل عن الضلال إلى الاستقامة، وقيل: معناه: طاهري الأعضاء من المعاصي، لا أنه خلقَهم كلَّهم مسلمين؛ لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}[التغابن: ٢].
وقيل: أراد أنه خلقهم مؤمنين لما أخذ عليهم الميثاقَ، وقال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف: ١٧٢]، فلا يوجد أحد إلا وهو مقرٌّ بأن له ربًّا وإنْ أَشركَ به.
"وإنهم أتتْهم الشياطينُ فاجتالتْهم"؛ أي: ساقتْهم الشياطينُ "عن دينهم"، يقال: اجتال الرجلُ الشيءَ: إذا ساقَه وذهبَ به، وقيل: معناه: حملتْهم على جولانهم؛ أي: انحرافهم وميلهم عن الدين، والجائل: الزائل والمائل عن مكانه، أضاف الفعل - وهو الاجتيال - إلى السبب له وهو الشياطين؛ لأنه تعالى جعلهم سببًا لإظهار مشيئته فيهم.
"وحرَّمتْ"؛ أي: الشياطينُ "عليهم ما أَحللتُ لهم" يريد به: البحيرة والسائبة وغيرهما.
"وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا"؛ أي حُجَّةً وبرهانًا، قيل: هذا على سبيل التهكُّم؛ إذ لا يجوز على الله أن يُنزلَ برهانًا أن يُشرَكَ به غيره.
"وإن الله نظرَ إلى أهل الأرض"؛ أي: رآهم حين وجدهم متفقين على الشرك منهمكين في الضلالة، وذلك قبل مجيء الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
"فمقتَهم"؛ أي: أبغضَهم بسوء صنيعهم.
"عَرَبَهم وعَجَمَهم"، والمَقت في الأصل: ابتداء البغض، وإنما أبغضَهم لأنهم كانوا قبلَ مجيء محمد - عليه الصلاة والسلام - كفارًا؛ زعم بعضهم: أن عيسى - عليه الصلاة والسلام - ابن الله، وبعضُهم أنه شريكُ الله، وغير ذلك، وباقي الناس كانوا يعبدون الأصنامَ والشمسَ والنارَ وغيرَ ذلك.
"إلا بقايا من أهل الكتاب": وهم الذين آمنوا بعيسى - عليه السلام - قبل