"وقال البراء - رضي الله عنه - لمَّا توفي إبراهيم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ له مرضعًا"، يروى بفتح الميم والضاد المعجمة؛ أي: رَضاعًا "في الجنة": والمراد من هذا: أن الله تعالى يقيم له من لذات الجنة وروحها ما يقع منه موقع الرضاع.
ويروى بضم الميم وكسر الضاد؛ أي: من يتم رضاعه؛ لأنه توفي قبل الفِطام.
قيل: إنه ابن ستة عشر شهرًا، وقيل: ثمانية عشر شهرًا، قيل: إنه يكون في النشأة البرزخية؛ لورود الأثر: أنَّ أهل الجنة تكون في عُمُر ثلاثين سنة.
ويكون قوله:"في الجنة" باعتبار أن القبر متعلقٌ بها، فيجوز أن لا ينحل بدن إبراهيم ويصير له هيئة يقدر بها على الارتضاع في القبر؛ ليكمل جسمانيته.
قال الإمام التُّورِبشتي: أصوب الروايتين الفتح؛ لأن العرب إذا أرادوا الفعل ألحقوا به هاء التأنيث نحو: أرضعت فهي مرضعة.
* * *
٤٧٩٨ - عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كُنَّا أَزْواجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهُ، فأَقْبَلتْ فاطِمَةُ، ما تَخْفَى مِشْيَتُها مِن مِشيَةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا رآهَا قال:"مرحبًا بابنتي"، ثُمَّ أَجْلَسَها، ثم سَارَّها، فبكَتْ بكاءً شديدًا، فلمَّا رأَى حُزْنَها سارَّها الثانية، فإذا هي تَضْحَكُ! فلمَّا قامَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَأَلتُها: عَمَّا سارَّكِ؟ قالَت: ما كُنْتُ لِأُفشيَ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سِرَّه، فلَمَّا تُوُفِّي قلتُ: عَزَمتُ عليكِ بما لي عليكِ مِن الحقِّ لمَّا أخبرتِني، قالت: أمَّا الآنَ فَنَعَمْ، أمَّا حينَ سارَّني في الأمرِ الأولِ فإنَّهُ أخبرَني: أنَّ جِبْريلَ كانَ يُعارِضُه بالقُرآنِ كلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وأنَّه:"عارضَني بهِ العامَ مرَّتَينِ، ولا أُرَى الأَجَلَ إلا قد اقتَرَبَ، فاتَّقي الله واصبري، فإنِّي نِعمَ السَّلفُ أنا لكِ"، فبَكَيْتُ، فلمَّا رَأَى جَزَعي سارَّني الثانيةَ قال:"يا فاطِمَةُ! ألا تَرْضَيْنَ أنْ تكوني سَيدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ - أو: نِساءِ المُؤْمنين - ".