تَشْتَرُوا بِخَمْسَةَ عَشْرَ , وَابْسُطُوا عَلَى جِنَازَتِي لَبَدِي وَغَطُّوا عَلَى جِنَازَتِي كِسَايَ، وَتَصَدَّقُوا بِإِنَائِي، أَعْطُوهُ مِسْكِينًا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ، فَعَجِبْتُ أَنْ قَالَ لِي: ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ! فَلَمَّا أُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ جَعَلْنَ النِّسَاءُ يَقُلْنَ مِنْ فَوْقِ السُّطُوحِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا الْعَالِمُ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهَذَا مِيرَاثُهُ الَّذِي عَلَى جِنَازَتِهِ لَيْسَ مِثْلَ عُلَمَائِنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ عَبِيدُ بُطُونِهِمْ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ لِلْعِلْمِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةً فَيَشْتَرِي الضِّيَاعَ وَيَسْتَفِيدُ الْمَالَ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ مَعِي فِي قَمِيصِي مَنْ يَشْهَدُ عَلَيَّ فَكَيْفَ أَكْتَسِبُ الذُّنُوبَ؟ ! إِنَّمَا يَعْمَلُ الذَّنْبَ جَاهِلٌ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى أَحَدًا، يَقُولُ: لَيْسَ يَرَانِي أَحَدٌ، أَذْهَبُ فَأُذْنِبُ أَمَّا أَنَا، كَيْفَ يُمْكِنُنِي ذَلِكَ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ دَاخِلَ قَمِيصِي مَنْ يَشْهَدُ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَالِي وَلِهَذَا الْخَلْقِ؟ كُنْتُ فِي صُلْبِ أَبِي وَحْدِي، ثُمَّ صِرْتُ فِي بَطْنِ أُمِّي وَحْدِي، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَى الدُّنْيَا وَحْدِي، ثُمَّ تُقْبَضُ رُوحِي وَحْدِي، وَأَدْخُلُ فِي قَبْرِي وَحْدِي، وَيَأْتِينِي مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيَسْأَلَانِي وَحْدِي، فَإِنْ صِرْتُ إِلَى خَيْرٍ كُنْتُ وَحْدِي , وَإِنْ صِرْتُ إِلَى شَرٍّ كُنْتُ وَحْدِي، ثُمَّ أَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَحْدِي، فَإِنْ بُعِثْتُ إِلَى الْجَنَّةِ بُعِثْتُ وَحْدِي , وَإِنْ بُعِثْتُ إِلَى النَّارِ بُعِثْتُ وَحْدِي , فَمَا لِي وَلِلنَّاسِ؟ ثُمَّ تَفَكَّرَ سَاعَةً وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ الرَّعْدَةُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَسْقُطَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute