للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ كَتَبُوا رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَتَبْتُ أَنَا الْأَثَرَ، فَأَنَا عِنْدَهُمْ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ، وَهُمْ عِنْدِي عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَصْلُ الْإِسْلَامِ فِي هَذِهِ الْفَرَائِضِ، وَهَذِهِ الْفَرَائِضُ فِي حَرْفَيْنِ: مَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: افْعَلْ، فَفِعْلُهُ فَرِيضَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، وَمَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: لَا تَفْعَلْ، فَتَرْكُهُ فَرِيضَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يُنْتَهَى عَنْهُ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَكَلْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ ذَاتَ يَوْمٍ ثَرِيدًا بَارِدَةً، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، مَالَكَ تَأْتِينِي بِثَرِيدٍ بَارِدٍ هَكَذَا نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: إِنَّمَا طَلَبْتُ الْعِلْمَ لِأَعْمَلَ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي الْحَارِّ بَرَكَةٌ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَكُنْتُ أَخْبِزُ لَهُ فَمَا نَخَلْتُ لَهُ دَقِيقًا إِلَّا أَنْ أَعْصِيهِ.

وَكَانَ يَقُولُ: اشْتَرِ لِي شَعِيرًا أَسْوَدَ قَدْ تَرَكَهُ النَّاسُ، وَلَا تَشْتَرِ إِلَّا مَا يَكْفِينِي يَوْمًا بِيَوْمٍ، قَالَ: وَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى بَعْضِ الْقُرَى فَلَا أَرْجِعَ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَاشْتَرَيْتُ لَهُ عَدْلَ شَعِيرٍ أَبْيَضَ جَيِّدًا فَنَقَّيْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى بَعْضِ الْقُرَى، فَاشْتَرَيْتُ لَكَ هَذَا الطَّعَامَ لِتَأْكُلَ مِنْهُ حَتَّى أَرْجِعَ، فَقَالَ لَهُ: نَقَّيْتَهُ وَجَوَّدْتَهُ لِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَنَوَّقْتَ فِيهِ وَنَقَّيْتَهُ فَأَطْعِمْهُ نَفْسَكَ، فَلَعَلَّ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ أَعْمَالًا لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تُطْعِمَ نَفْسَكَ النَّقِيَّ، وَأَمَّا أَنَا فَبِاللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>