وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ذَهَبَ أَبِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِدٍ الدِّشْتَكِيِّ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ هِبْتُهُ فَجَعَلْتُ أَدْنُو مِنْهُ، فَقَالَ لِأَبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنِي، قَالَ: ادْعُهُ.
فَدَعَانِي، فَجِئْتُ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ أَبِي، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ادْنُ مِنِّي، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: ادْنُ مِنِّي وَقَالَ لِي: أَخْرِجْ يَدَكَ، فَأَخْرَجْتُ يَدِي فَنَظَرَ إِلَى شُقُوقٍ فِي بَاطِنِ أَصَابِعِي فَتَفَرَّسَ فِيَّ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا سَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ، وَيَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَالْعِلْمَ، وَذَكَرَ أَشْيَاءً.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ خَرَجْتُ مِنَ الرَّيِّ، الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَرَجَعْتُ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَإِنِّي حَجَجْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى مِصْرَ، فَأَقَمْتُ بِهَا خَمْسَةَ عَشْرَ شَهْرًا، وَكُنْتُ عَزَمْتُ فِي بَدْءِ قُدُومِي مِصْرَ، أَنْ أَقِلَّ الْمَقَامَ بِهَا، وَلَمَّا رَأَيْتَ كَثْرَةَ الْعَلِمِ رُمْتُ عَلَى الْمَقَامِ، وَلَمْ أَكُنْ عَزَمْتُ عَلَى سَمَاعِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ، فَلَمَّا عَزَمْتُ عَلَى الْمَقَامِ، وَجَّهْتُ إِلَى أَعْرَفِ رَجُلٍ بِمِصْرَ يَكْتُبُ لِلشَّافِعِيِّ، وَسَلَّمْتُ إِلَيْهِ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَهَا لِي، وَأَعْطَيْتُهُ الْكَاغِدَ وَكُنْتُ حَمَلْتُ مَعِي ثَوْبَيْنِ دَقِيقَيْنِ لِأَقْطَعْهُمَا لِنَفْسِي، فَلَمَّا عَزَمْتُ عَلَى كِتَابَتِهَا أَمَرْتُ بِبَيْعِهَا، فَبِيعَا بِسِتِّينَ دِرْهَمًا وَاشْتَرَيْتُ مِائَةَ وَرَقَةِ كَاغِدِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمٍ، فَكَتَبْتُ فِيهَا كُتُبِ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَأَقَمْتُ بِهَا مَا أَقَمْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَأَقَمْتُ مَا أَقَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute