بَقَاءُ الْمَرْءِ بَعْدَ أَقْرَانِهِ، يَا بُؤْسَ مَنْ يَمُوتُ وَتَبْقَى ذُنُوبُهُ مِنْ بَعْدِهِ، إِنَّكَ لَمْ تُؤْمَرْ بِالنَّظَرِ لَوَارِثِكَ عَلَى نَفْسِكَ، وَإِثْقَالِكَ ظَهْرَكَ لِغَيْرِكَ، ذَهَبَتِ اللَّذَّةُ وَبَقِيَتِ التَّبِعَةُ، مَا أَشْقَى مَنْ سَعِدَ بِكَسْبِ غَيْرِهِ، إِنَّكَ تُعَامِلُ مَنْ لَا يَجْهَلُ، الَّذِي يَحْفَظُ عَلَيْكَ لَا يَغْفَلُ، تَجَهَّزْ فَقَدْ دَنَا مِنْكَ سَفَرٌ , وَدَاوِ دِينَكَ فَقَدْ دَخَلَهُ سَقَمٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَاهَ جَاهَانِ: جَاهٌ يُجْرِيهِ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي أَوْلِيَائِهِ لأَوْلِيَائِهِ الْخَامِلِ ذِكْرُهُمْ، الْخَافِيَةِ شُخُوصُهُمْ.
وَلَقَدْ جَاءَ نَعْتُهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الأَخْفِيَاءَ، الأَتْقِيَاءَ الأَبْرِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا فَلَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِذَا شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ» .
فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: ٢٢] وَجَاهٌ يُجْرِيهِ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي أَعْدَائِهِ لأَوْلِيَائِهِ، وَيَقْذِفُهُ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَعِظِّمُهُمُ النَّاسُ بِتَعْظِيمِ أُولَئِكَ لَهُمْ، وَيُرَغِّبُ النَّاسَ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ لِرَغْبَةِ أُولَئِكَ إِلَيْهِمْ: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: ١٩] .
فَمَا أَخْوَفَنِي أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ عَاشَ مَسْتُورًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، مَقْتُورًا عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، مَعْزُولَةً عَنْهُ الْبَلايَا، مَصْرُوفَةً عَنْهُ الْفِتَنُ، فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ، وَظُهُورِ جِلْدِهِ وَكَمَالِ شَهْوَتِهِ، فَعُنِيَ بِذَلِكَ دَهْرَهُ حَتَّى إِذَا كَبُرَتْ سِنُّهُ وَرَقَّ عَظْمُهُ وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَانْقَطَعَتْ شَهْوَتُهُ، فَتَحَتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ شَرَّ مَفْتُوحٍ فَلَزِمَتْهُ تَبِعَتُهَا، وَعَلَّقَتْهُ فِتْنَتُهَا وَأَغْشَتْ عَيْنَيْهِ زَهْرَتُهَا، وَصَفَتْ لِغَيْرِهِ مَنْفَعَتُهَا، فَسُبْحَانَ اللَّهِ، مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute