{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: ١٢] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا إلَّا فِي مَسَائِلَ تَأْتِي وَالْمُسْتَمِعُ لَهَا كَقَائِلِهَا.
(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ (عَنْ النَّمِيمَةِ) وَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْهَمَّازُونَ وَاللَّمَّازُونَ وَالْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ يَحْشُرُهُمْ اللَّهُ فِي وُجُوهِ الْكِلَابِ» .
(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ (عَنْ الْبَاطِلِ كُلِّهِ) وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، وَمِنْهُ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ، وَغِيبَةَ غَيْرِهِمَا صَغِيرَةٌ وَقَوْلُهُ فِي غِيبَتِهِ وَأَمَّا فِي حُضُورِهِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ غِيبَةٌ وَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا] لَمْ يَذْكُرْ السُّنَّةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ» [قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَمِعُ لَهَا كَقَائِلِهَا] أَيْ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَنْهَى الْفَاعِلَ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ مَعَ الْإِنْكَارِ بِقَلْبِهِ، فَإِذَا كَانَ يَتَمَدَّحُ بِمَا شَأْنُهُ أَنْ يُكْرَهَ كَسَارِقٍ، أَوْ مُحَارِبٍ فَهُوَ غَيْرُ حَرَامٍ.
خَاتِمَةٌ.:
الْغِيبَةُ لَهَا جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا مِنْ حَيْثُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا وَالْأُخْرَى مِنْ حَيْثُ أَذِيَّةِ الْمُغْتَابِ، فَالْأُولَى يَنْفَعُ فِيهَا التَّوْبَةُ بِمُجَرَّدِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مَعَ التَّوْبَةِ مِنْ طَلَبِ عَفْوِ الْمُغْتَابِ عَنْ صَاحِبِهَا، وَلَوْ بِالْبَرَاءَةِ الْمَجْهُولِ مُتَعَلِّقُهَا عِنْدَنَا.
[قَوْلُهُ: وَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ إلَخْ] أَيْ كَأَنْ يَقُولَ: فُلَانٌ يَقُولُ فِيك كَذَا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّمَا تُطْلَقُ فِي الْغَالِبِ عَلَى هَذَا وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِذَلِكَ بَلْ حَدُّهَا كَشْفُ مَا يَكْرَهُ كَشْفَهُ سَوَاءٌ كَرِهَهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ، أَوْ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَوْ ثَالِثٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَشْفُ بِالْقَوْلِ، أَوْ الْكِتَابَةِ أَوْ الرَّمْزِ، أَوْ الْإِيحَاءِ، أَوْ نَحْوِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُولُ مِنْ الْأَقْوَالِ، أَوْ الْأَعْمَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَيْبًا، أَوْ غَيْرَهُ فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السَّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ [قَوْلُهُ: لِمَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ إلَخْ] هُوَ لَقَبٌ لِلْحَافِظِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيِّ. [قَوْلُهُ: «الْهَمَّازُونَ» ] الْهَمْزُ تَعْيِيبُ الْإِنْسَانِ بِحُضُورِهِ، وَالتَّهَمُّزُ تَعْيِيبُهُ بِغِيَابِهِ وَقِيلَ بِعَكْسِهِ [قَوْلُهُ: «وَالْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ» ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ [قَوْلُهُ: الْبَاغُونَ] أَيْ الطَّالِبُونَ [قَوْلُهُ: لِلْبُرَآءِ] جَمْعُ بَرِيءٍ عَلَى وَزْنِ فُعَلَاءَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} [الممتحنة: ٤] وَقَوْلُهُ: الْعَنَتَ هُوَ وَالْبُرَآءُ مَفْعُولَانِ لِلْبَاغِينَ، أَيْ الطَّالِبُونَ الْعَنَتَ لِلْبُرَآءِ إلَخْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْعَنَتُ الْمَشَقَّةُ وَالْفَسَادُ وَالْهَلَاكُ وَالْإِثْمُ وَالْغَلَطُ وَالْخَطَأُ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ وَأُطْلِقَ الْعَنَتُ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ كُلَّهَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْعَيْبُ بَدَلَ الْعَنَتِ. [قَوْلُهُ: «يَحْشُرُهُمْ اللَّهُ فِي وُجُوهِ الْكِلَابِ» ] أَيْ فِي صُورَةِ الْكِلَابِ.
قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: وَقَدْ بَحَثَ عَنْ فَاعِلِهَا فَلَمْ يُوجَدْ قَطُّ إلَّا وَلَدُ زِنًا.
تَنْبِيهٌ:
اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَسَكَتَ عَنْ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ: قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: ١] ، ثُمَّ ذَكَرَ السُّنَّةَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اهـ، تَأَمَّلْهُ.
[قَوْلُهُ: عَنْ الْبَاطِلِ كُلِّهِ] أَيْ مِنْ الْأَقْوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: صَوْنُ اللِّسَانِ وَجَمْعُ بَاطِلٍ بَوَاطِلُ، وَبَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بُطُولًا وَبُطْلًا وَبُطْلَانًا بِضَمِّ أَوَائِلِهَا أَيْ فَسَدَ، أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ] أَيْ فَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُحْصَى إلَخْ] ضَمَّنَهُ مَعْنَى أَبْعَدَ أَيْ شَدِيدَ الْبُعْدِ مِنْ الْإِحْصَاءِ أَيْ الضَّبْطِ كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ كَالسَّبِّ وَاللَّعْنِ وَالْقَذْفِ، أَوْ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالْغَصْبِ وَالْخِيَانَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخَدِيعَةِ وَالْغِشِّ وَاللَّهْوِ وَتَأْخِيرِ