عِنْدَ اللَّهِ اسْتِحْلَالُ عِرْضِ الْمُسْلِمِ» .
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: (إلَّا بِحَقِّهَا) رَاجِعٌ لِلْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَحَقُّ الْأَمْوَالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرَضًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَحَقُّ الْأَعْرَاضِ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا وَحَقُّ اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «وَلَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ إيمَانِهِ» بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (أَوْ يَزْنِي بَعْدَ إحْصَانِهِ أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ) وَهُوَ الْحِرَابَةُ (أَوْ يَمْرُقَ) أَيْ يَخْرُجَ (مِنْ الدِّينِ) مُرُوقَ السَّهْمِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ اعْتِقَادَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ» . .
(وَلْتَكُفَّ يَدَك) الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ عَلَيْك (عَمَّا لَا يَحِلُّ لَك) تَنَاوُلُهُ (مِنْ مَالٍ) كَالسَّرِقَةِ (أَوْ) مُبَاشَرَةِ (جَسَدٍ) غَيْرِ جَسَدِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ فَرْجِ بَهِيمَةٍ (أَوْ) مُبَاشَرَةِ (دَمٍ) قَتْلًا أَوْ جَرْحًا أَوْ كِتَابَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ أَوْ النُّطْقُ بِهِ.
(وَلَا تَسْعَ بِقَدَمَيْك فِيمَا لَا يَحِلُّ لَك) الْمَشْيُ إلَيْهِ كَالزِّنَا (وَلَا تُبَاشِرُ بِفَرْجِك أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِك مَا لَا يَحِلُّ لَك) كَالزِّنَا (قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] إلَى قَوْلِهِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] .
(وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى {الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [الأنعام: ١٥١] عَلَى الْجَوَارِحِ (وَمَا بَطَنَ) فِي
ــ
[حاشية العدوي]
فِي أَعْرَاضِ الْكُفَّارِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا يَحِلُّ عِرْضُ الْكَافِرِ قَالَ: وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣] وَهُوَ مِنْ النَّاسِ اهـ.
وَالنَّفْسُ أَمْيَلُ لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ. [قَوْلُهُ: «إنَّ أَرْبَى الرِّبَا» إلَخْ] أَيْ إنَّ أَشَدَّ الرِّبَا وَأَعْظَمَهُ، وَأَرَادَ بِالرِّبَا الْأَمْرَ الْمُجَاوِزَ لِلْحَدِّ. [قَوْلُهُ: اسْتِحْلَالُ عِرْضِ الْمُسْلِمِ] أَيْ اعْتِقَادُ حِلِّيَتِهِ هَذَا مَدْلُولُهُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّكَلُّمُ فِي عِرْضِهِ، لَكِنْ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي عِرْضِهِ كَانَ كَأَنَّهُ مُسْتَحِلٌّ لَهُ فَلِذَا أُطْلِقَ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَحَقُّ الْإِعْرَاضِ إلَخْ] أَيْ فَلَمَّا تَجَاهَرَ بِذَلِكَ صَارَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَالْعِرْضُ قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ: عِرْضُ الرَّجُلِ قِيلَ نَفْسُهُ وَقِيلَ حَسَبُهُ. [قَوْلُهُ: وَحَقُّ اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ] السِّينُ وَالتَّاءُ لَيْسَتَا لِلطَّلَبِ بَلْ زَائِدَتَانِ لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: أَوْ فَسَادٍ إلَخْ] كَذَا الرِّوَايَةُ بِالْجَرِّ وَالْمَعْنَى، أَوْ كَانَ ذَا فَسَادٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحِرَابَةُ] تَفْسِيرٌ لِلْفَسَادِ وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ السُّلُوكِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَخْرُجُ] تَفْسِيرٌ لِيَمْرُقَ، وَعَدَلَ عَنْ يَخْرُجُ الْوَاضِحُ اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَعْتَقِدَ اعْتِقَادَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ] أَيْ فَالْمُرَادُ هُنَا الْخُرُوجُ مِنْ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَى اعْتِقَادِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَيْ أَهْلِ الْمَيْلِ الْمَذْمُومِ ذَمًّا قَوِيًّا وَهُمْ مُعْتَقِدُونَ الْكُفْرَ، كَاعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ مُفَصَّلَةً، أَوْ لَا يَعْلَمُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَلَا يَكْفُرُونَ بَلْ يُؤَدَّبُونَ.
قَالَ تت: وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ. [قَوْلُهُ: يَمْرُقُونَ] فِي الْمِصْبَاحِ: مَرَقَ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ مُرُوقًا مِنْ بَابِ قَعَدَ نَفَذَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ اهـ.
وَالرَّمِيَّةُ مَا يُرْمَى مِنْ الْحَيَوَانِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَالْجَمْعُ رَمِيَّاتٌ وَرَمَايَا مِثْلُ عَطِيَّةٍ وَعَطِيَّاتٍ، وَأَصْلُهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا.
[قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ إلَخْ] ذَكَرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِلْكَفِّ. [قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَك تَنَاوُلُهُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحِلَّ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ لَا نَفْسِ ذَلِكَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَدْخُولَ مِنْ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ تَنَاوُلِ مَالٍ لِيَكُونَ قَوْلُهُ، أَوْ مُبَاشَرَةُ جَسَدٍ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ فِعْلٌ. [قَوْلُهُ: كَالسَّرِقَةِ] تَفْسِيرٌ لِتَنَاوُلِ الْمَالِ، أَوْ لِلْمَالِ إنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَسْرُوقُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ] أَيْ مِنْ جَسَدِ مَا يُلْتَذُّ بِهِ كَانَ الَّذِي يُلْتَذُّ بِهِ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى. [قَوْلُهُ: أَوْ فَرْجَ بَهِيمَةٍ] مَعْطُوفٌ عَلَى جَسَدٍ تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: قَتْلًا أَوْ جَرْحًا] أَيْ كَانَتْ مُبَاشَرَةُ الدَّمِ قَتْلًا إلَخْ. [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابَةً] مَعْطُوفٌ عَلَى تَنَاوُلِ مَالٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَلْتَكُفَّ يَدَكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَك مِنْ تَنَاوُلِ مَالٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: لَك الْمَشْيُ إلَيْهِ] أَيْ الَّذِي هُوَ السَّعْيُ، وَعَدَلَ عَنْهُ دَفْعًا لِلثِّقَلِ الْحَاصِلِ بِتَكْرَارِ عَيْنِ اللَّفْظِ. [قَوْلُهُ: كَالزِّنَا] تَفْسِيرٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْفَرْجِ، وَأُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ اللِّوَاطُ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ. [قَوْلُهُ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧]] أَيْ الْمُتَجَاوِزُونَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ.
[قَوْلُهُ: الْفَوَاحِشَ] قَالَ تت: وَهِيَ كُلُّ مُسْتَقْبَحٍ مِنْ قَوْلٍ