للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّمَائِرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف: ٣٣] قِيلَ: الْإِثْمُ الْخَمْرُ.

(وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَنْ يُقْرَبَ النِّسَاءَ فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ أَوْ) فِي دَمِ (نِفَاسِهِنَّ) بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَبِمَا تَحْتَهُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ قَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا الْمَنْعُ (وَحَرَّمَ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (مِنْ النِّسَاءِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا إيَّاهُ) فِي بَابِ النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ النِّسَاءِ سَبْعًا بِالْقَرَابَةِ وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ إلَخْ.

(وَأَمَرَ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ (بِأَكْلِ الطَّيِّبِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ هُنَا الِانْتِفَاعُ (وَهُوَ) أَيْ الطَّيِّبُ (الْحَلَالُ) وَالْحَلَالُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا جُهِلَ أَصْلُهُ، فَإِذَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَك بِأَكْلِ الطَّيِّبِ (فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْكُلَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَوْ فِعْلٍ. [قَوْلُهُ: فِي الضَّمَائِرِ] أَيْ الْقُلُوبِ جَمْعُ ضَمِيرٍ بِمَعْنَى الْقَلْبِ فَيَدْخُلُ فِيمَا بَطَنَ الْغِيبَةَ بِالْقَلْبِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ الْإِثْمُ الْخَمْرُ] أَيْ وَقِيلَ كُلُّ مُحَرَّمٍ.

[قَوْلُهُ: فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ] أَيْ زَمَنِ خُرُوجِهِ وَكَذَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الدَّمِ وَيُرَادُ بِالنِّفَاسِ تَنَفُّسُ الرَّحِمِ فَيَحْرُمُ جِمَاعُ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَلِدُ الْوَلَدَ جَافًّا قَبْلَ الْغُسْلِ. [قَوْلُهُ: بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا يَقُولُهُ إذْ لَا يَحِلُّ التَّمَتُّعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلَوْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ، وَأَمَّا النَّظَرُ فَلَا حَرَجَ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَطْهُرْنَ] قَالَ الْمُفَسِّرُ: فَعَلَى التَّشْدِيدِ يَغْتَسِلْنَ أَصْلُهُ يَتَطَهَّرْنَ أُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، وَعَلَى التَّخْفِيفِ يَنْقَطِعُ دَمُهُنَّ اهـ.

أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ وَلِذَا قَالَ تت: وَالْمَنْعُ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يَتَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] [قَوْلُهُ: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ] أَيْ عَلَى مَنْعِ قُرْبَانِ النِّسَاءِ فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ، أَوْ نِفَاسِهِنَّ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقِيلَ: تَعَبُّدٌ وَقِيلَ: خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ فَيُخَافُ عَلَيْهِ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْقَرَعُ، وَقِيلَ: خِيفَةَ مَا يُصِيبُ الْوَاطِئَ مِنْ الْأَذَى ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ إلَخْ] يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَبِمَا تَحْتَهُ إلَخْ أَنَّهُ أَرَادَ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ أَيْ وَكَانَ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَأَرَادَ بِمَا تَحْتَهُ أَيْ مَا عَدَا الْفَرْجَ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ مَعَ أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ وَلَوْلَا حِكَايَتُهُ الْخِلَافَ لَقُلْنَا: الْمُرَادُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَالْمُرَادُ بِمَا تَحْتَهُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ التَّمَتُّعَ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، أَوْ نَزَلَ عَنْ الرُّكْبَةِ، أَوْ بِهِمَا فَلَا حَرَجَ وَلَوْ بِالْوَطْءِ بِغَيْرِ حَائِلٍ.

تَنْبِيهٌ:

مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ لَا يَخُصُّ الْمُسْلِمَةَ بَلْ الْكَافِرَةُ كَذَلِكَ فَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ قَبْلِ غُسْلِهَا وَيُجْبِرُهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَمِثْلُهَا الْمَجْنُونَةُ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْغُسْلِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَأَمَّا الَّذِي يُحِلُّ الْوَطْءَ فَلَا.

[قَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَالتَّخْصِيصُ بِالْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُمْ الِامْتِثَالُ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ هُنَا الِانْتِفَاعُ] أَيْ لَا حَقِيقَتُهُ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا يَحِلُّ لَك إلَخْ.

وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ هُنَا عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْكُلَ إلَّا طَيِّبًا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَقِيقَتُهُ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الرِّزْقَ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ بِالْفِعْلِ كَانَ حَرَامًا، أَوْ حَلَالًا، فَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِإِضَافَةِ الطَّيِّبَاتِ الْمَأْمُورِ بِأَكْلِهَا لِمَا اُنْتُفِعَ بِهِ بِالْفِعْلِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُرَادُ بِقَوْلِهِ: مَا رَزَقْنَاكُمْ أَيْ مَا كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَكُونَ رِزْقًا لَكُمْ لَا أَنَّهُ رِزْقٌ لَكُمْ بِالْفِعْلِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ إلَخْ] أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْخَالِقِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَيْ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ تَعْرِيفِ الْحَلَالِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: مَا جُهِلَ أَصْلُهُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: مَا عُلِمَ أَصْلُهُ، وَقِيلَ: مَا عُلِمَ أَصْلُهُ وَأَصْلُ أَصْلِهِ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَا يَنْبَغِي الْيَوْمَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>